زيارتي إلى معرض الكويت الدولي للكتاب 2025

بقلم: أحمد السماري.
زيارتي إلى معرض الكويت الدولي للكتاب 2025

زيارتي إلى معرض الكويت الدولي للكتاب 2025

بقلم: أحمد السماري

بدعوة كريمة من الأمانة العامة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت، تشرفتُ بزيارة معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الثامنة والأربعين، خلال الفترة من 19 إلى 22 نوفمبر 2025، في تجربة ثقافية تفيض بالمعنى، وتؤكد أن الكويت ما زالت منارة راسخة للثقافة، وحضنًا دافئًا للفكر والإبداع.

منذ الخطوات الأولى بين أروقة المعرض، بدت المساحات نابضة بحضور المثقفين ودفء القرّاء، متكئة على ذاكرة طويلة من العناية بالكتاب والاحتفاء بالأدب. لقاءات ثرية مع ناشرين وأصدقاء، وحوارات أدبية تحوّلت إلى لحظات إنسانية دافئة، أكدت أن المعرض ليس مجرد حدث سنوي، بل موسم متجدد للحوار واستعادة الروح الثقافية العربية.

شاركتُ ضمن البرنامج الثقافي في ندوة «الرواية والأدب.. سرديات الهوية والذاكرة»، إلى جانب الكاتبتين اللبنانيتين علوية صبح وإيمان حمدان، وأدارها باقتدار الدكتور عبدالله السرحان. وقد شكّلت الندوة مساحة رحبة للتأمل في علاقة الرواية بالهوية والذاكرة، وكيف تحوّلت السرديات الأدبية إلى فضاء يعيد قراءة التاريخ، ويكشف عن المسكوت عنه، ويمنح التجربة الإنسانية أفقًا أوسع من الفهم والتأويل، في مشهد تفاعلي ثري عكس عمق الحضور ووعي المتلقّي.

كما شهدت الزيارة حضور عدد من الندوات النوعية، من بينها ندوة «في حضرة الخليج: خرائط السرد الجديدة» للدكتور عبدالرحمن المحسني، التي ناقشت تحولات السرد الخليجي، وندوة حول أول قصة قصيرة خليجية «منيرة» للأديب خالد الفرج، في قراءة نقدية أعادت الاعتبار لبدايات السرد في المنطقة، وأضاءت على قيمة الريادة واستشراف المستقبل، قدّمها الدكتور ناصر المجماج.

وللمشهد الإنساني نصيبه من الضوء؛ فقد سعدت بلقاءات مؤثرة مع قامات أدبية وشعرية مرموقة، من بينها الشاعرتان موج يوسف وسعدية مفرح، كما تشرفت بحضور حفل توقيع الشاعرة الشيخة أفراح مبارك الصباح لديوانها الجديد «صندوق»، حيث تجلّى الحضور الثقافي بأسمى صوره، وامتزج الإبداع بالأناقة والرقي. وربطتني الزيارة كذلك بصداقة ثقافية جميلة مع الدكتور محمد القادري من تونس، حيث جمعنا حوار ممتد في جنبات الفندق حول الأدب وأسئلته وتحولاته في المشهد العربي.

كما تشرّفت بحضور دعوة غداء كريمة من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في موقع أبراج الكويت، بحضور الأمين العام الدكتور محمد الجسار، ومساعدته لشؤون الثقافة الأستاذة عائشة المحمود، حيث جرى الاحتفاء بالوفود الرسمية وعلى رأسها الوفد العُماني (ضيف الشرف)، في مشهد يعكس عمق العلاقة بين الثقافة والضيافة، وبين التنظيم الراقي وروح الاحتفاء الصادق.

إن هذه الزيارة، بكل ما حفلت به من حوارات وندوات ولقاءات، جاءت بمثابة رسالة امتنان واعتزاز بدور الكويت الثقافي، وما يقوم به المجلس الوطني من جهود رفيعة تمنح للثقافة فضاءها المستحق، وتفتح آفاق الحوار بين نخبة المبدعين والجمهور العربي الواعي الذي يمنح للإبداع معناه الأسمى.

وفي طريق العودة إلى الوطن، بقي صدى هذه الأيام محفورًا في الذاكرة، شاهدًا على أن الثقافة ما زالت قادرة على جمع القلوب حول معنى واحد: أن الكتاب حياة، وأن الحوار نور، وأن الكويت كانت – ولا تزال – بيتًا للكلمة وأهلها.

وداعًا الكويت الحبيبة… وإلى لقاء يتجدد مع معارض كتاب مقبلة.