المتحف المصري الكبير: بداية عهد جديد لإدارة التراث المصرى ودحض الإفتراءات التاريخية

كافيين آرت نيوز
المتحف المصري الكبير:  بداية عهد جديد لإدارة التراث المصرى ودحض الإفتراءات التاريخية


 

تامر صلاح الدين

وكالات ومصادر رسمية

 

تُختتم مساء اليوم سنوات من العمل والتأجيل والإصرار بإطلاق "المتحف المصري الكبير (GEM" قبالة هضبة الأهرامات في الجيزة. المشروع لا يقتصر على كونه معرضًا للمقتنيات، بل يهدف ليكون مركزًا عالميًا للبحث والترميم والتعليم ودافعًا استراتيجيًا للسياحة المصرية، وردا عمليا على محاولات سرقة التاريخ المصرى أول وأعظم حضارات العالم، والتى تحاول بعض الدول والأفراد سرقته والإفتئات عليه ونسبه إلى غير أهله.  

ولولا أن حظي المشروع بدعم رئاسي مباشر وسلسلة تدخلات حكومية وإدارية لما أمكن إتمامه خاصة أن الفكرة بدأت قبل عقود طويلة، عندما دعى فاروق حسنى وزير الثقافة السابق إلى عشاء بروتوكولى أقامه معهد العالم العربى فى باريس على شرف الفنان والوزير المصرى؛ الذى سُئل عن "مخزن الآثار المصرى" فرد قائلا:" سننشأ أعظم متحف للحضارة المصرية" ولم تكن هذه مجرد كلمة عابرة، بل وعد لإستدعاء التاريخ إلى أرض الواقع وصولا إلى المستقبل، وعقب عودته إلى مصر اختار حسنى موقع المتحف قبالة أهرامات الجيزة، وعرض الفكرة على الرئيس الراحل حسنى مبارك الذى تسائل عن إمكانية تمويله، فأجابه الوزير أن مثل هذه المشاريع تحظى بتمويل دولى، وبالفعل بدأت دراسة جدوى لإنشاء المتحف المصرى الكبير والذى أتمها بيت خبرة عالمى واستغرقت أربع سنوات كاملة، لكن المشروع والبناء نفسه توقف أكثر من مرة، لولا تدخل الرئيس السيسى فأزال العقبات ووفر حصة مصر من التمويل، ليصبح الحلم الذى دار فى رأس فنان سكندرى بدرجة وزير ثقافة، واقعا حيا وشاهدا على الوجود والعزيمة والتحدى المصرى، الذى يحقق المستحيل ويبهر العالم متى توفرت الإرادة.

 

 

الفكرة والبداية؛ الحلم والقرار والتسلسل: 

 

ولدت فكرة إنشاء متحف مركزي يكرّس لحضارة مصر القديمة في أوائل التسعينيات، حين بدأت مؤسسات ثقافية وأثرية تبحث عن موقع يواكب عظمة التراث المصري. اختيار الموقع الحالي بالقرب من الأهرامات لم يكن عاطفيًا فحسب، بل قرارًا استراتيجيًا يجعل تجربة الزائر امتدادًا حيًا للحقل الأثري ذاته.

 

 

الرجل والنبراس؛ دور فاروق حسني: 

 

فاروق حسني الفنان ووزير الثقافة الأسبق؛ يظل أحد أبرز الأسماء المرتبطة بفكرة المتحف وإطلاقها.  شارك حسني في المراحل الأولى لوضع التصور العام، وساهم في إطلاق المسابقة الدولية لاختيار التصميم المعماري،  كما ارتبط اسمه بفكرة "المتحف الوطني الجامع" الذي يحفظ التراث في سياق حضاري واحد. 

 

الدعم الرئاسي حسم الموقف وأعاد الزخم: 

 

منذ تولّي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، حظي المتحف بدعم رئاسي مباشر، إذ أصدر تعليمات واضحة بإزالة العقبات المالية والإدارية، وأعاد إحياء المشروع بعد فترة ركود طويلة.  وقد كان لقراراته أثر بالغ في تسريع أعمال البنية التحتية للموقع وضمان مشاركة دولية واسعة في مراسم الافتتاح.

 

 

اليد العاملة العلمية من الأثريين إلى المرمّمين:

 

لم يكن GEM مجرّد مشروع معماري؛ بل منظومة علمية شارك فيها مئات الخبراء والمرمّمين المصريين والدوليين.  من أبرز الأسماء الدكتور زاهي حواس، الذي تولّى مهام إشرافية على تخطيط العروض المتحفية والربط بين أقسام المشروع.  كما أنشئت مختبرات حديثة للترميم مزوّدة بتقنيات رقمية متطورة،  ساهمت في نقل ومعالجة آلاف القطع الأثرية، من بينها مومياوات وتماثيل ضخمة وأوانٍ دقيقة.

 

 

كنوز فرعونية لا مثيل لها: 

 

تمثال رمسيس الثاني: 

  التمثال العملاق الذي يزن نحو 83 طنًا نُقل من ميدان رمسيس إلى المتحف في عملية هندسية معقدة، ليقف الآن شامخًا في البهو الكبير كتحية أولى للزائرين. 

 

مقتنيات توت عنخ آمون: 

  للمرة الأولى تُعرض مجموعة ضخمة من مقتنيات الملك الصغير في قاعة مخصصة، 

  تتجاوز 5000 قطعة أثرية، كثير منها يُكشف للجمهور لأول مرة منذ اكتشاف المقبرة عام 1922.  (تظل المومياء الأصلية محفوظة  في وادي الملوك حفاظًا على سلامتها). إضافة إلى آلاف القطع التى لم تعرض من قبل ولم تشاهدها عين إنسان عقب اكتشافها.

 

التصميم والبناء؛معمار معاصر يجاور الخلود: 

 

فاز بتصميم المتحف "مكتب Heneghan Peng Architects" في مسابقة عالمية بمشاركة أكثر من 1500 متنافس. يتميز التصميم بانفتاحه البصري على الأهرامات من خلال واجهة زجاجية ضخمة، كما يوازن بين الخطوط المعمارية المعاصرة والروح الفرعونية في التكوين والمواد. المبنى يستوعب أكثر من مئة ألف قطعة أثرية قابلة للزيادة ويضم مساحات عرض، ومراكز ترميم، ومناطق تعليمية وثقافية ومطاعم ومكتبات.

 

 

التمويل والشركاء: 

 

بلغت تكلفة المشروع أكثر من مليار دولار أمريكي، بتمويل مصري أساسًا،  مع مساهمات من اليابان عبر وكالة التعاون الدولي (JICA  فضلًا عن دعم فني من مؤسسات أوروبية متخصصة في العرض المتحفي والترميم، هذا التعاون أضفى على المشروع طابعًا عالميًا دون المساس بالهوية المصرية.

 

 

حكايات الماضى المستمر: 

 

رحلة رمسيس إلى الجيزة كانت حدثًا وطنيًا نقلته القنوات مباشرة،  وتحوّل إلى رمزٍ لقدرة المصريين على حماية تاريخهم، كذلك قارب الملك خوفو وهو أحد أعظم الاكتشافات الخشبية القديمة؛ جرى تفكيكه ونقله بعناية إلى المتحف لإعادة تركيبه ضمن عرض متكامل يروي طقوس الحياة الآخرة عند المصريين القدماء. 

 

مؤسسة المستقبل:

  المتحف لا يخاطب الزوار والسائحين ومحبى الآثار المصرية وحسب، بل يفتح أبوابه لطلاب المدارس والجامعات عبر ورش ودورات في علوم الآثار والترميم، مما يجعل منه مؤسسة حية تحفظ التراث وتصنع جسرا مصريا نحو مستقبل ترميم الآثار القديمة فى كل مكان فى العالم بدءا بآثار مصر الخالدة.

 

 

وجوه بارزة خلف المشروع: 

 

فاروق حسني: صاحب الحلم ومؤسس الرؤية الثقافية للمتحف. 

زاهي حواس: العالم الأثري وأحد أبرز المشرفين على التخطيط العام. 

خالد العناني: وزير السياحة والآثار السابق والمدير العام الحالي لليونسكو (فاز بالمنصب في أكتوبر 2025). 

فِرَق الترميم المصرية العمود الفقري للمشروع وأبرز عوامل نجاحه. 

الرئيس عبد الفتاح السيسي الداعم التنفيذي والسياسي الأهم في مراحل الإتمام والافتتاح.

 

ماذا يعني GEM للمستقبل؟ 

 

افتتاح المتحف المصري الكبير ليس مجرد نهاية مشروع؛  بل بداية عهدٍ جديد لإدارة التراث المصري، فالتطور هنا يمزج العرض المتحفي بالتقنية، والبحث العلمي بالاقتصاد المعرفى،  حيث يصبح GEM منارة دبلوماسية وثقافية، تعزز مكانة مصر في المشهد العالمي، وتعيد تعريف علاقتها بتاريخها العريق كقوة ناعمة خالدة، يستمر عطاؤها لتبهر العالم عبر شعبها وتراثها الأثرى الذى لا مثيل له، خاصة وأن المتوقع أن يجذب المتحف وحده خمسة ملايين سائح، ما يعزز وجود مصر على خريطة سياحة الآثار العالمية ويضيف زخما لزوارها ومحبى تاريخها.

 

 

"المتحف المصري الكبير ليس مبنى من حجر، بل ذاكرة أمة تمتدّ في الزمن وتخاطب المستقبل."

فاروق حسني

 

 

المراجع والمصادر 

 

- بيانات وزارة السياحة والآثار المصرية (20232025) 

- الموقع الرسكى للمتحف المصري الكبير :

[grandegyptianmuseum.org](https://grandegyptianmuseum.org) 

- تصريحات د. زاهي حواس لصحيفة الأهرام (أكتوبر 2025) 

- وكالة JICA اليابانية – تقارير الدعم الفني (20202024) 

- تقارير BBC وReuters عن الافتتاح (نوفمبر 2025)