العلمين.. حين تنطق الحجارة بالجمال

علي الشوكي
العلمين.. حين تنطق الحجارة بالجمال

في مدينةٍ وُلدت من قلب الصحراء على شاطئ المتوسط، حيث يلتقي الأفق بالبحر والعمارة بالفكرة، تتحدث الحجارة بلغة الفن في سمبوزيوم مصر الدولي للنحت بمدينة العلمين الجديدة.

هنا، لا صوت يعلو على وقع الإزميل فوق الصخر، ولا زمن إلا زمن التكوين؛ فالفنانون القادمون من أربع عشرة دولة يصوغون من الكتل الحجرية نشيدًا بصريًا جديدًا يعبّر عن روح المدينة ويعيد تعريف علاقتها بالعالم.


النحت.. لغة الصمت التي تتكلم

تحت رعاية وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة، وبدعم من المهندس شريف الشربيني، يتحول السمبوزيوم إلى ورشة إبداعٍ مفتوحة في الهواء الطلق.
على امتداد الأيام، تعمل المعاول والأنامل في انسجام دقيق؛ تتحول الصخور إلى وجوهٍ، والمعدن إلى فكرةٍ، والفراغ إلى ضوءٍ متجسد.
المنحوتات لا تكتفي بأن تزيّن ميادين المدينة، بل تمنحها هوية جمالية تجعلها متحفًا حيًا يعيد الاعتبار لفكرة الفن كجزء من النسيج العمراني.

فما تصنعه الأيدي هنا ليس مجرد حجرٍ مُشكّل، بل حالة فكرية وجمالية، تُعيد للمدينة دورها كمساحة تواصل بين الإنسان والمكان، بين الفكرة والملموس، بين المادي والروحي.

حوار بين الثقافات فوق أرض واحدة


في أروقة السمبوزيوم، تتقاطع اللغات واللهجات، لكن لغة الفن تظل المشتركة العليا.
فنانون من اليابان، أوكرانيا، صربيا، الصين، فرنسا، المكسيك، إسبانيا، تركيا، وإيطاليا، إلى جانب كوكبة من النحاتين المصريين، يعملون جنبًا إلى جنب على تشكيل أعمال تعكس تنوع المدارس الفنية العالمية.

تتجاور الواقعية الرمزية مع التجريد الهندسي، ويتقاطع الحس الشرقي الرقيق مع الصرامة الأوروبية في المعالجة الشكلية، لتنتج الأعمال طيفًا بصريًا متكاملًا يجمع بين الوعي بالتاريخ والرؤية المستقبلية للمدينة.

المدينة كمتحف مفتوح

حين تُعرض هذه الأعمال في ميادين العلمين الجديدة، لن تكون مجرد ديكورٍ حضري؛ بل ذاكرة جمالية جماعية تروي قصة تلاقي البشر والفكر والإبداع.
فكل منحوتة ستصبح علامة حضارية تشير إلى أن المدينة لا تُبنى فقط بالخرسانة والزجاج، بل بالخيال والروح.
وهنا، تتحقق معادلة الفن والعمارة في أبهى صورها:

رؤية فنية وشهادة حضارية


يرى الدكتور المهندس محمد خلف الله، رئيس جهاز مدينة العلمين الجديدة، أن السمبوزيوم ليس فعالية فنية عابرة، بل رسالة حضارية تقول للعالم إن الفن جزء من مشروع الدولة للتنمية والبناء.
ويضيف أن المدينة أصبحت ساحة مفتوحة للإبداع، تستضيف كبار النحاتين ليتركوا بصمتهم على جدران الزمن، وأن هذه التجربة تؤكد أن الجمال ليس ترفًا، بل مكوّن أساسي في بناء الإنسان والمكان.

أما الخبير السياحي الدكتور مصطفى هدايا، فيرى في السمبوزيوم تأكيدًا على قدرة الفن على صناعة المقصد السياحي، مشيرًا إلى أن العلمين الجديدة بدأت تتحول إلى مدينة تعمل على مدار العام، يتلاقى فيها الزائر والفنان والمواطن في تجربة بصرية وسياحية متكاملة.

عندما تتكلم الكتلة بالحلم


الفنان التشكيلي محمد حميدة، المنظم العام للملتقى، يصف المشهد بأنه تجربة كونية على أرض مصرية، حيث تتناغم المدارس النحتية بين الشرق والغرب، وبين الحداثة والتراث.
ويشير إلى أن السمبوزيوم يقدم نموذجًا لكيف يمكن للفن أن يصبح أداة للتجميل الحضاري وإثراء للمشهد البصري، لا سيما في مدينة تمثل مختبرًا عمرانيًا للفكر الجمالي المصري الحديث.

ويضيف أن الفعاليات تشمل ورش نحت حيّة، ومعارض للفن المعاصر، وفعالية ختامية بعنوان "Art Dinner" تجمع الضوء بالموسيقى والنحت في مشهدٍ فني شامل يليق باسم العلمين.

الفن كذاكرة للمدينة


في نهاية المطاف، ما يقدمه سمبوزيوم مصر الدولي للنحت ليس فقط أعمالًا حجرية تُعرض في الميادين، بل ذاكرة جديدة للعلمين؛ ذاكرة تنمو مع الزمن، وتمنح المدينة ملامح إنسانية عميقة.

فحين تشرق الشمس على تلك المنحوتات المنتصبة على البحر،
تبدو وكأنها تحرس الجمال وتكتب سيرة الضوء في زمن الإسمنت،
تُذكّرنا أن الفن ليس رفاهية، بل طريقة أخرى للوجود.