من تامر إلى أولجا: رسائل دافئة تعبر المتوسط

تامر صلاح الدين
من تامر إلى أولجا: رسائل دافئة تعبر المتوسط



العالم العربى لم يعد يقرأ إلا لكتاب السلطة، أو لكتاب ضد السلطة، أنا لست من كتاب السلطة، لكننى لست معاديا لها، وبالتالى فالباحث عن التصفيق أو الفضائح لن يجد أى منهما عندى، فى زمن سابق كتبت تقارير وأخبار وتحقيقات وآراء فى جرائد مختلفة؛ مستقلة ومعارضة، حيث كان رنين الهاتف يوقظنى فى السابعة والثامنة صباحا، أو فى منتصف الليل، مسئول غاضب، أو سياسى ناقم، أو رجل سلطة يخاف مما كتبت ويستعلم عنه، أما الرنين الذى يأتى فى مطلع الصباح؛ قبل الشروق بقليل فغالبا ما يكون من إدارة التحرير فى الجريدة، يستوثقون من خبر كتبته، أو حوار أجريته ويوازنون بين مخاطر وتحديات النشر وقوة الحقيقة التى تحملها كلماتى، أيضا قد يهاتفنى رئيس التحرير فى السادسة صباحا ليطلب منى إجراء تحقيق سريع عن أمر مفصلى، أو ليتأكد من متابعتى لأخبار ليلية مفاجئة، فى كل الأحوال كنت أجيب عقب الرنين الأول، كثير مما كتبته فى الجرائد السياسية استخدمه مسئولون ومصادر باعتباره كشفا لفساد أو إهمال أو تواطؤ؛  أو حتى بداية عمل عدائى منظم ضد الشعب المصرى، كنت دائما أنظر فى عين الحقيقة، وما زلت أؤمن بذلك وأقوم به بالرغم من كل شئ.

ومن المدهش يا أولجا أنك فعلت ذلك أيضا لكن فى مجالك، لقد خطفتى عينى وحواسى بدورك المميز الذى أضافت خبرتك وحبك لعملك إليه، لقد نظرتِ فى عين كل من الدور والجمهور ولم تنظرى إلى الكاميرا، ربما لم تضعيها فى حساباتك من الأصل، أصبحت عينك داخلك تشاهدك كملكة من التاريخ، وكسيدة من الحاضر، وكفنانة لكل العصور، لذلك قمت بدورين مختلفين عن بعضهما البعض كما لو تملكين شخصيتين، أمسكتِ بكل منهما كما يمسك الصياد المحترف العصفور بقبضة متوازنة لا تعصره فيختنق، ولا تتهاون فيطير، فتحافظ عليه حيا دافئا ومتدفقا وقتما تشاء.

 

لقد بحثت عن معنى اسمك، واندهشت، Olga ليس اسما إسبانيا فى الأصل بل أسكندنافى من اللغات القديمة أصله Helga أو المقدسة التى تحمل نورا داخليا، والتى تغفر دون أن تتكلم، وبسبب ذلك ظهر اسمك كثيرا فى الأدب العالمى، ارتبط دائما بالغفران، النقاء، القدسية، العفو، ومد يد المساعدة دون انتظار السؤال، تماما كدورك فى فيلم "ثانويات" للمخرج آرتورو دوينياس هيريرو، بالطبع ليست هذه المسألة فقد يحمل الإنسان اسما مقدسا ومع ذلك تكون أفعاله بغيضة، أما أنت ففنانة نقية السريرة، والدليل كلماتك الرقيقة التى رددت بها على تقريرى عن آدائك المميز، والتى أرسلها لى آرتورو، وجهت الشكر له ولإمكانياته كمخرج، أثنيت على كل زميلاتك فى العمل، وأبديت سعادتك بأن هذا الفن عبر المتوسط ووجد تقديرا فى ثقافة أخرى.

 

 دعينى اليوم أخبرك بقناعاتى، ثمة أمور فى هذا العالم تفهم كما هى بدون ترجمة، مثل لغة الطيور، حفيف الأشجار، تغيرات الفصول الأربعة، وأشياء أخرى نتأملها بانبهار: ألوان السماء، الحركات المنتظمة للموج فى بحر هادئ، ونفسها تلك التى تثور فتصبح كالجبال، وموجودات نحسها دون وعى: الهواء النقى الذى يمر فوق البساتين العطرة، رائحة المطر الدافق تلك التى تتغير من الريف إلى المدينة، لفحات الصحراء، برودة الليل ودفء النهارات المشمشة، الفن يعبر عن كل ذلك، لا يحتاج إلى لغة، ولا موسيقى تصويرية، أعتقد أن مشاهدتك فى البروفة الجينرال دون مؤثرات، كانت ستقودنى إلى نفس النتيجة، أنت ذات أداء ملهم يعبر الحدود ويدخل إلى القلب مباشرة، ربما أكتب هذه الكلمات مملوء بالشجن ومشحون بعاطفة جاءت من كلماتك البسيطة المحبة، عل موج المتوسط يحملنى يوما لأشاهد عرضا حيا تكونين بطلته المطلقة، حتى تلك اللحظة سيكون الفن لغتنا المشتركة، أنت تبدعين وأنا أتذوق الدهشة واتطهر بها.