ثلاثة أفلام وستة عشر جائزة بوبكر بوخاري.. فنان صنع من المجوهرات رسوما متحركة

كافيين آرت نيوز
ثلاثة أفلام وستة عشر جائزة  بوبكر بوخاري.. فنان صنع من المجوهرات رسوما متحركة


      تامر صلاح الدين – مصر




الفن يولد مع صاحبه، ينمو معه، ويتغلل تحت جلده وفى وجدانه، فيبدآن معا رحلة لا تتوقف، بوبكر بخارى فنان جزائرى، درس الفنون فى عاصمة بلاده، وفيها تعلم صناعة المجوهرات التى صارت شغفا يملكه، أنتقل به وخلفه من وطنه إلى أوطان أخرى؛ بدأ رحلته فى عام 2002 بمنحة مع الإتحاد الأوربى لعدد من الفنانين العرب التقى بعدد من صناع أفلام التحريك العالمية جاءوا من "والت ديزنى" إلى تونس، فمنحوه وزملاءه فرصة كبيرة وغير مسبوقة فى فنون الإنيميشن، لكنه صقل فن صناعة المجوهرات أيضا فى تونس التى عاش وعمل بها سنوات كصائغ وكفنان، ولأجل "الصاغة" ذهب إلى روسيا فاكتسب خبرة جديدة، مكنته من الالتحاق بعمل خاص جدا فى وزارة التعليم الإماراتية بأبى ظبى، فى تخصص "الإدارة الفنية والتخطيط" حيث يساهم فى تحويل المناهج والتراث – فى مرحلة ما قبل الإنتاج- إلى قصص وأفلام تٌفهم من سياق الرسوم دون كلمات أو حوار. من المجوهرات إلى التحريك

 

كاروما؛ بداية الحلم العالمى:

أول منحة خاصة وضعته على طريق تحقيق حلمه كفنان أنيمشين؛ جاءت من المنطقة الإعلامية فى "أبو ظبى" مكنته من إنتاج فيلمه الأول "كاروما" والذى يعنى فى كثير من اللهجات العربية ومنها الجزائرية تصغير لاسم كريم وكذلك لاسم عبد الكريم؛ والذى وضع فيه فنانٌا جزءا من "حكاياته الشخصية"، طاف هذا العمل بثمانين مهرجانا حول العالم حصل بمشاركته فيها على عشر جوائز، وسر نجاح الفيلم هو قدرة بوخارى على تمكين أبطاله من التعبير عن حالتهم الوجدانية بأصوات تعبر عن الفرح أو الغضب أو الثرثرة دون كلمات، ومن بين الجوائز العشر التى حصدها "كاروما" يعتز بوبكر بوخارى بجائزة مهرجات هيوستن تحديدا لأنه أكثر المهرجانات المتخصصة فى مسابقات التحريك التى نافس فيلمه فيها.

"دادى ودودى" فيلم آخر له، الفكرة كانت لطفلة ضمن برنامج إنتاج تابع لتليفزيون أبو ظبى، لكن جانبها التوفيق، فطور القصة وأنتجها بنفسه كفيلم مستقل، فيلمه الأخير "عجيبة وغريب" حصد ست جوائز فى عدد من مسابقات المهرجانات السينمائية، آخرها جائزة مهرجان الأسكندرية الدولى لسينما البحر المتوسط فى دورته ال 41 لعام 2025 .

 

عجيبة وغريب؛ تمساح من ألماس:

 

الفيلم يحكى عن صداقة "عجيبة" و "غريب"، اللذان يفصل بينهما نهرُ، لكنهما اعتادا على اللقاء عبر الضفتين كل يوم، وبدون سبب يختفى عجيب، وتظل عجيبة تنتظره كل يوم دون أن يظهر، فتقرر أن تعبر النهر الذى يحرسه تمساح يمنع التواصل بين الشاطئين، تأتى عجيبة بفعل شجاع، تراه نائما فى القاع، فتقذفه بحجر ضخم يصيب رأسه ويوقظه من النوم، فيصعد لها مستفسرا عن سر ذلك الفعل، فتخبره أن لها صديق تريد أن تعبر النهر لتطمئن عليه، فيؤكد أنه لا يسمح لأى مخلوق بالتنقل بين الشاطئين، لكنه قد يمكنها من العبور ومن العودة إذا ساعدته فى علاج ألم أسنانه، وبالفعل تتمكن عجيبة من العبور ورؤية عجيب مجددا، قصة الفيلم طريفة والتحريك فيها يؤجج الإثارة، وبها عبرة عن أهمية الصداقة والشجاعة وتقديم العون والوفاء، لكن الأبرع هو تصميم الرسوم وخاصة التمساح الذى استغل بوبكر بوخارى خبرته السابقة كصانع مجوهرات فى تصميمه، فأثناء العرض الخاص لاحظت أن التمساح، يمكن تفكيكه إلى "بروش، قرط مستدير أو خاتم مرصع بالألماس، سوار للمعصم ..إلخ"

فلسفة فنية وجائزة التفرد يابانية:

وهذا ما يؤكده الفنان الجزائرى الشاب مؤكدا: " فكرت فى تطوير رسوم الأنيمشن فعدت إلى الكتاب "القراءة والدراسة" لمدة عامين، فوجدت الأصل فى خيال الظل الذى برع فيه فنانونا العرب القدماء، صاغوا حكاياتهم الشعبية التى تحولت لتراث، صنعوا صناديق التحريك ونماذج لأبطال مروياتهم الشفاهية وتنقلوا بها من بلد إلى آخر، ثم تبادلوها بينهم، فانتشرت فى كل البلدان." ويضيف: " نعم استخدمت تقنية تصميم المجوهرات فى صناعة شخصيات الرسوم المتحركة كأول فنان فى العالم يقوم بهذه الخطوة، ومؤخرا حصلت على جائزة "الإبتكار المتفرد" فى مسابقة يابانية عالمية بسبب هذا الابتكار."

وعن الصعوبات التى تواجه فنانى الأنيمشن فى الوطن العربى؛ قال: " أكبر عائق هو غياب التمويل، فعندما يقدم الفنان أعماله لإحدى شركات الإنتاج، يكون المقابل المادى ضعيفا، ويضطر إلى التنازل عن حقوق الملكية الفكرية، وحتى الشركة المنتجة تتنازل هى ألأخرى عن حقوق الملكية الفكرية لقنوات التليفزيون، وبذلك يضيح حقٌ أدبى ومادى على الفنان، وعلى شركة الإنتاج، أما التليفزيون فقد يعرض المنتج وقد لا يعرضه، ولا يحق لأحد مراجعته فى ذلك"

طٌبع لبخارى أيضا قصتين للأطفال تحمل كل منهما عبرة ومغزى معين؛ إحداهما هى " العصفورة والأفعى" وعن ذلك يقول: " قصصى ليست للأطفال فقط بل للجميع، وأتوقع أن أنشر فى كل عام قصة جديدة واحدة، إضافة إلى تطوير إنتاج وإخراج الأفلام، خاصة وأننى أوجه ميزانيتى لتوزيع هذه الأفلام على المهرجانات العالمية ولا أقوم ببيعها لأننى أرفض التنازل عن الملكية الفكرية، لذلك ألجأ إلى منصات العرض الإلكترونية الحصرية، التى تقدم مقابل ما وفقا لعدد المشاهدات"

 

رؤية للتراث العربى فى ثوب معاصر:

وعن فلسفته وخططه القادمة وأهدافه، يقول بلا تردد: " التراث العربى يمتلئ بالقصص المعبرة، أبحث فى الماضى وأعيد الصياغة لتناسب العصر، وأرسم للتعبير عن نفسى فى الأساس، لأقدم فنى إلى العالم، أربط الحكاية بالشخصية، معتمدا على الأبيض والأسود ولون إضافى واحد." منهيا حديثه قائلا: " جائزة الإبداع الأكثر تفردًا التى حصلت عليها من اليابان أكدت لى أننى على الطريق الصحيح، وزادت ثقى فى أن الخيال العربى قادر على المنافسة حين يمتلك أدواته."

وبفضل تميّزه، نسج علاقات مهنية مع عدد من فناني التحريك العالميين، منهم مبدعون من فرنسا واليابان شاركوه تبادل الخبرات التقنية والفكرية، وقد ساعدته هذه اللقاءات على تطوير أسلوبه الذى يجمع بين الشرق والغرب، وبين الحكاية الشعبية والقصة الحديثة.، لذلك فإن بوبكر بوخاري ليس مجرد مخرج أنيميشن، بل هو صائغ للحلم، يخلق من الضوء والمعدن عالمًا يتوهّج بالحكاية العربية فى أكثر صورها حداثة وإنسانية.