سر منح جائزة يوسف شاهين للفيلم الإسبانى SECUNDARIAS فى مهرجان الأسكندرية السينمائى ال 41

كافيين آرت نيوز
سر منح جائزة يوسف شاهين للفيلم الإسبانى SECUNDARIAS فى مهرجان الأسكندرية السينمائى ال 41

تامر صلاح الدين- مصر

من المدهش أن تحب فليما من النظرة الأولى، هذا ما حدث، عندما دلفت من باب قاعة "7" فى سينما سان ستيفانو الكبيرة، الشاشة وحدها تضئ صالة العرض، وظلام بلا همس يعم المكان، الرواية تنطق بلسان صناعها الإسبان، ثمة شريط ترجمة سريع بالإنجليزية لم أتمكن فى أفضل الأحوال أن أقرأ جمله الطويلة، لكن من قال أن السينما حوار؟ بالنسبة إلى هى لغة بصرية فى المقام الأول، تستكمل بالأداء والديكور والموسيقى وبالحركات التعبيرية، على الشاشة؛ تطل بالأبيض والأسود بطلات العرض فى حياتهن المعاصرة، من أول لحظة يحدد المخرج شخصية كل منهن عبر كلمات سريعة، وتكشف الكادرات عن باطن كل منهن، الحزن والأمل، المسئولية والإلتزامات، ومحبة الفن، على المسرح حيث تدور القصة التاريخية، تبدو ألوان الملابس والديكور منتقاة بعناية من يفهم تماما معناها وأهميتها، مربعان زرقاوان فارغان صمما بالإضاءة، أحدهما أكبر من الآخر، كظل أو كتابع تفصل بينهما مسافة، كأنهما توأمان من زمانين مختلفين، تكتمل اللوحة بالأزياء التاريخية التى يغلب عليها اللون الأحمر الملكى، مع تيجان ذهبية، وأصفر بلون الكناريا يتمم عناصر الجذب البصرى، أغلب النقاد والمشاهدين لم يلتفتوا إلى تركيبة لونية ثالثة تظهر من "البلازما" أو شاشة العرض الداخلية فى كالوس المسرح، وتمثل الواقع الثالث فى هذه القصة، تنسكب منها ألوان سينما السبينعيات بذلك البهتان الذى ميز أفلام تلك المرحلة قبل التطورات التقنية التى خاطبت العيون والوعى بدرجات متنوعة من اللون والصوت والمؤثرات، ألوان الفيلم وحدها وضعت المشاهد دون أن يدرى فى ثلاث حقب زمانية مختلفة؛ بينها رابط إنسانى، أكثر أنثوية فى هذا الفيلم الذى تحدث عن "المرأة" الثانوية، التى لا غنى عنها فى جميع العصور وفى كل المجتمعات.

يطرح العمل سؤالا مهما: من يكتب التاريخ؟ ومن يُسمع صوته فيه؟

انقر هنا: رابط تقرير عن المخرج الإسبانى آرتورو دوينياس 

https://caffeineartnews.com/3986  

 

إنتاج وإبداع ورؤية خاصة:

يأتى فيلم "ثانويات" (Secundarias / Supporting Actresses) للمخرج الإسباني آرتورو دوينياس هيريرو كصرخة هادئة لكنها عميقة، فيلم لا يسعى للإبهار بقدر ما يحاول إعادة ترتيب الذاكرة، ويخرج المرأة من مكانها الخفى في سرد العالم.

الفيلم إنتاج إسباني خالص، خرج من بين يدي مخرجه وكاتبه آرتورو دوينياس هيريرو، الذي اعتاد أن يعمل كحرفيٍّ صبور في معمل السينما المستقلة.

كتب السيناريو وشارك فيه مع عدد من الممثلات مثل Béatrice Fulconis، Olga Mansilla، Inés Acebes، Marta Ruiz de Viñaspre، وPino de Pablos، ليخلق معهن عملاً جماعيًا تتداخل فيه التجربة الإنسانية مع البحث الجمالي.

 

دوينياس استخدم اللقطة المستمرة بتقنية Camera on sholder ، تاركًا للعدسة مهمة التأمل والتوثيق، كأنها عين تنتقل بين الأزمنة لترصد "اللاتغير" فى مشكلات حياة أغلب النساء، وبأسلوب المسلسلات التليفزيونية القديمة صور الفيلم كاملا فى جلسة واحدة، سبقها بروفات لأشهر طويلة، بعضها تم عبر الواتسآب بسبب تنقل بعض الممثلات خارج إسبانيا، وعندما دارت الكاميرا أخيرا، لم تتوقف إلا مع مشهد النهاية.

البوح فى الكواليس:

 

على خشبة مسرح كالديرون في بلد الوليد تتصدّر بطلات الفيلم المشهد بجدارة، كل منهن تحمل ذاكرة أخرى لامرأة غابت عن السرد الإعلامى؛ ففي زمن الإمبراطور كارلوس الخامس عام 1558، نرى نساءً عشن على هامش البلاط، وفي الحاضر نرى الممثلات أنفسهن يستعددن لعرض مسرحي بعنوان "رسائل إلى الإمبراطور" (Cartas al Emperadorلنجد أنفسنا أمام بطلات واقعهن مهمش وبسيط ليس كفنانات وكنساء عاملات، تضع حياتهن الخاصة أعباءا على كواهلهن، حيث يبدو المسرح عملا يسمح لهن "بإرتداء" شخصيات أخرى ليعبرن عن متاعبهن وحروبهن الدائمة بطريقة أخرى؛ فبين بروفات العرض ووهج الواقع، تتلاشى الحدود بين الماضي والحاضر، بين الممثلة ودورها، بين ما هو أداء وما هو اعتراف شخصي؛ هنا، لا يجسد الفيلم العبء الأنثوى، بل يستدعيه من نموذج فى الماضى المستمر.

 

البطلة تغيب والبطل يحتضروالعرض مستمر:

 

يبدأ الفيلم من دير يوست (Monasterio de Yuste)، حيث يقضي كارلوس الخامس أيامه الأخيرة، غارقًا في أحلام وهلاوس تشبه مراجعة ذاتية للحكم والسلطة والمجد الزائل، في الكواليس وغرف تبديل الملابس، تتقاطع البروفات مع الذكريات، لتتحوّل الخشبة إلى مرآة لتاريخ منسيّ، ومع تصاعد الإيقاع، يصبح المسرح عالمًا يبتلع الزمن، وتغدو الكاميرا شريكة في القصة، لا شاهدة عليها فقط، فتتحول الشاشة إلى ساحة للبوح الجماعي، فتحدث مفاجآت وتتحق أمانى، من ذلك أن إحدى بطلات الفيلم هى فى الواقع "مساعدة" مهمتها معاونة الممثلات على إراتداء الملابس، وهى بالكثير "خياطة" لكنها تبهر إحدى الفنانات الشابات بقدرتها على حفظ حوار جميع الأبطال، وتعترف بأمنيتها أن تلعب دورا ما على خشبة المسرح، وبالفعل تغيب الممثلة التى يفترض أن تؤدى دور الملكة، وفى اللحظة الأخيرة تقرر "أوليجا مانسيلا" أن تلعب الدور، وهذا حدث بالفعل فى حياتها الحقيقة، أما البطل الذى يقوم بدور الملك المحتضر فيصاب فعلا بأزمة قلبية تؤدى إلى استدعاء الإسعاف، ولأن الفيلم ليس عن المسرحية، بل هى جزء من السرد البصرى والحوارى فإن العرض يستمر، حيث يطلب القائمين على المسرح إغلاقه، فيبدو كمن يصفع باب الحياة ذاتها فى وجه أصحابها، فى هذه اللحظة لا يوجد بطل فى المشهد، لكن أثره موجود، فتغادر البطلات المكان، بينما تنسى إحداهن هاتفها المحمول الذى يعطى أزيزه إشارة أن ثمة حدث مفقود لم يكتمل بعد.

جائزة من الأسكندرية إلى فالادوليد "بلد الوليد":

ربما لا يجوز ترجمة أسماء الأعلام لكن Valladolid تلك البلدة التى عرض فيها الفيلم جماهيريا لأول مرة تعنى بلد الوليد باللغة العربية، وهذه ليست مفارقة بل جزء من تاريخ العالم الذى نحيا فيه دون أن نعى أن ماضينا متشابك ومتشابه، فكل بلاط يمتلئ بالصراع وبالمؤامرات، وكل إمارة أو مقاطعة قد نجد فيها ملكا أو حاكما متعصبا لرأيه ورؤيته، حتى وإن كانت تهدف إلى مصلحة شعبه وبلاده فمن المؤكد أن هناك من يعارضها، لغرض فى نفسه أو لأسباب موضوعية، هذا حدث ويحدث وسيستمر فيما يبدو إلى الأبد، الدليل على ذلك هو هذا الفيلم الذى شارك فى عدد من مهرجانات الأفلام المستقلة فى إسبانيا منها مهرجان Semana Internacional de Cine de Valladolid)  SEMINCI)، حيث استقبله النقاد بإعجاب لطابعه التأملي ومزجه بين المسرح والسينما والحاضر والتاريخى، لكن ذروة حضوره جاءت في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي لدول البحر المتوسط فى دورته ال 41 لعام 2025، حيث منحت لجنة التحكيم المخرج آرتورو دوينياس هيريرو جائزة يوسف شاهين للإخراج المتميز عن هذا العمل، جائزة تحمل دلالات تتجاوز التكريم الفردي، إذ تعكس امتداد لغة السينما الحرة بين ضفتي المتوسط، وتؤكد أن الفن المستقل قادر على خلق حوار ثقافي حقيقي بين الشعوب.