أرتورو دوينياس هيريرو؛ صانع الذاكرة في السينما الإسبانية المستقلة

الإسكندرية – كافيين آرت نيوز
أرتورو دوينياس هيريرو؛ صانع الذاكرة في السينما الإسبانية المستقلة

 

تامر صلاح الدين

 


بأسلوب يجمع بين الشعر والواقعية، صنع المخرج الإسباني أرتورو دوينياس هيريرو لنفسه مكانة مميزة في عالم السينما الوثائقية المستقلة، ليصبح أحد أبرز الأصوات التي تحتفي بالذاكرة، بالقرية، وبالإنسان العادي.

 

الجذور الريفية واللغة كمدخل إلى الصورة:

 

وُلد دوينياس عام 1962 في قرية إسجويفياس دي إسجويفا بمقاطعة فالادوليد الإسبانية، وهي الخلفية التي ستشكل لاحقًا محور إلهامه الفني، إذ تنعكس روح الريف الإسباني في أعماله كحاضنة للهوية والذاكرة الجمعية.

تخرج في جامعة فالادوليد حاملاً بكالوريوس في الفيلولوجيا الإسبانية، قبل أن يتعمق في دراسة السينما عبر دبلوم متقدم، ودورات احترافية في أكاديمية الفيلم بنيويورك، ثم نال ماجستير في كتابة السيناريو من جامعة سالامانكا، هذا المسار الأكاديمي والثقافي أمدّه برؤية تركيبية تجعل السينما لديه فعل كتابة بصرية للغة والحياة معًا.

 

المؤلف الكامل:

 

يُعرف دوينياس في الأوساط السينمائية الإسبانية بلقب Auteur، أي "المؤلف الكامل" الذي يتحكم في كافة مراحل صناعة الفيلم، من الفكرة إلى المونتاج. أسس عام 2007 شركة الإنتاج "لا إسجويفا فيلمز" تكريمًا لقريته، واتجه من خلالها إلى إنتاج أفلام مستقلة منخفضة التكلفة، معتمدة على الكاميرات الرقمية الخفيفة والإضاءة الطبيعية، ما منح أعماله صدقًا بصريًا نادرًا.

 

أسلوب فني يعيد بناء الذاكرة:

 

يتبنى دوينياس أسلوبًا أقرب إلى "السينما البطيئة " حيث يمنح الصورة وقتها لتتنفس، ويُعيد ترتيب السرد عبر تحرير غير خطي يشبه تدفق الذكريات.

تُعالج أفلامه موضوعات الذاكرة، الهوية، والفن بوصفها أدوات مقاومة للنسيان، مستخدمًا أصوات الطبيعة، والإيقاع الهادئ، ليحول الوثائقي إلى تجربة حسية وشعرية.

كما يمزج بين الواقع والتمثيل الذاتي، فيظهر أمام الكاميرا أحيانًا ليصبح جزءًا من الحكاية، كما فعل في فيلمه "Pessoas" عام 2019.

 

من الصحراء إلى المسرح؛ مبدأ تأكيد الإنتماء:

 

منذ بداياته القصيرة مثل  Run, run, run  Pucela Square   فى 2007 ، و 2008 مرورًا بفيلمه الطويل الأول Aficionados 2010 ،وحتى أعماله الوثائقية البارزة مثل Tierras construidas 2015وCorsarios 2016  ،ظل دوينياس وفيًّا لفكرته المركزية: "أن الفن بناء متجدد للإنسان والمكان".

أما فيلمه القصير Dajla: cine y olvido 2020 ،المصوّر في الصحراء الغربية، فكان محطة لافتة في مسيرته؛ إذ رشحته الأكاديمية الإسبانية للفنون والعلوم السينمائية لجوائز غويا 2022، بفضل رؤيته التي تحاور النسيان بالسينما.


               بوستر فيلم  Dajla: cine y olvido 2020


تأثير متراكم ودور ثقافي دولي:

 

لا يقتصر حضوره على الإخراج فحسب، بل يمتد إلى التعليم والنشاط الثقافي، إذ عمل أستاذًا للغة الإسبانية في جامعات أوروبية وأمريكية جنوبية مثل تارتو وبودابست ولشبونة، وأسهم في تنظيم مهرجانات وأسابيع للسينما الإسبانية في أوروبا.

وفي عام 2022  تولى إدارة دور السينما "كازابلانكا" في فالادوليد، تعزيزًا لدوره كجسر بين السينما المستقلة والجمهور. كما شارك مؤخرا في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولى فى دورته ال 41 ضمن ورشة حول "السينما والذاكرة" إلى جانب المخرجة مرسيدس أورتيجا، في خطوة تؤكد اتساع حضوره العالمي.

 

خلاصة التجربة:

 

في أعمال أرتورو دوينياس، لا تنفصل التقنية عن الوجدان؛ فالمونتاج يصبح كتابة، والكادر يؤطر ذاكرة المكان والإنسان، والموسيقى صدى لأفكار ووجدان البيئة والبشر، إنه مخرج يعشق الكاميرا ليست آلة تسجيل، بل كأداة للبحث عن المعنى وسط الضجيج والنسيان.