عرض جسور على الباب.. دراما تعكس صراعات النفس البشرية ضمن مهرجان مسرح الهواة

علي الشوكي
عرض جسور على الباب.. دراما تعكس صراعات النفس البشرية ضمن مهرجان مسرح الهواة




شهد مسرح السامر بالعجوزة، عرض "جسور على الباب"، ضمن مهرجان مسرح الهواة في دورته الحادية والعشرين، "دورة الكاتب والفنان الكبير الراحل نجيب سرور"، والذي يقام تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، وتنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة اللواء خالد اللبان.


العرض لفرقة الجمعية المصرية لهواة المسرح، تأليف وإخراج أحمد رجائي، ويعد تجربة مسرحية تجمع بين التمثيل، الحكي، الغناء، والاستعراض، وتروي أحداثه حكايات التهجير والصراعات والحروب من خلال عدة أشخاص يلتقون على متن سفينة تصارع الأمواج في وسط البحر.

 

قدم العرض بحضور الشاعر د. مسعود شومان رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية، عبير رشيدي مدير المهرجان، ولجنة التحكيم المكونة من د. عبد الناصر الجميل، الفنانة وفاء الحكيم، والمخرج عادل حسان.


وقال المخرج أحمد رجائي إن العرض يمثل تجربة إنسانية وحياتية ثرية بالصراعات والمشاعر، تسعى إلى الغوص في أعماق النفس البشرية ومساءلة فلسفة الوجود.

وتدور أحداثه فوق سفينة تواجه أمواج البحر، حيث يلتقي عشرة أشخاص يمثل كل منهم حالة إنسانية مختلفة، فمنهم من يجسد الحب والحنان، وآخر يعبر عن الفقد والخسارة، وغيرهم يجسدون الوفاء، الحكمة أو اليأس. وتروى عبر مشاهد متفرقة وغير مترابطة حكايات متعددة من المعاناة الإنسانية.


وأوضح "رجائي" أن الفكرة الرئيسية للعمل تدور حول فلسفة الحياة والموت في مواجهة الصراعات والحروب والعلاقات النفسية المعقدة، متسائلا: كيف يعيش الإنسان؟ وكيف يقرر مواجهة الموت؟ وهل يملك حرية اختيار نهايته بنفسه؟ بينما تتمثل الفكرة الثانوية في أن الآلام قد تكون سببا في ميلاد جديد، بدلا من أن تقود إلى الفناء.


 وعن الجانب الفني للعرض، أشار إلى أن الفضاء المسرحي يتجسد في قارب مطاطي ضخم، مع شاشة بروجيكتور تقدم مشاهد تعبر عن الصراعات الداخلية للشخصيات وتداخلها مع مشاعرهم وخيالاتهم.

 وأوضح أن الإضاءة مستوحاة من ألوان البحر والقمر في الليل لتعكس الأجواء، مع مؤثرات بصرية خاصة، منها توظيف البروجيكتور داخل الشراع وظهور القمر مكتملا كعنصر أساسي في المشهد.

 كما لفت إلى أن الموسيقى أُعدت خصيصا للعمل لتستلهم أصوات أمواج البحر وإيقاع التنفس البشري بما يعزز الحالة الدرامية، أما الأزياء جاءت مجردة من تفاصيل الحياة اليومية، مقتصرة على سترات النجاة الصفراء.


وكشف الفنان أحمد عادل أنه يجسد شخصية معقدة نفسيا مرت بظروف قاسية، عاشت حياة مليئة بالفقر والمعاناة، فظل يشعر دوما أنه أقل من الآخرين، ويرى أن كل ما حوله ضده.

وأضاف أن العرض يقدم رسالة هامة تتمثل في أن الإنسان ينشغل دائما بما لدى غيره ولا يرى ما يملكه هو من نعم ومميزات، كما  يناقش أيضا مشكلة غياب ثقافة الاستماع للآخرين وعدم التماس الأعذار لهم، إلى جانب الميل للحكم المسبق والمتسرع على الناس وأفعالهم.


وتحدثت الفنانة ماريا عدلي عن دورها في العمل، قائلة: أجسد شخصية امرأة عادية مفعمة بالطاقة والحياة، بدأت مسيرتها بقصة حب وزواج سعيد، ثم أنجبت طفلها الأول، وكانت حياتها مستقرة، لكن مع مرور الوقت ازدادت الضغوط والمسؤوليات، فتسللت إليها المشكلات.

وأضافت أنها رغم ذلك لا تستسلم، بل تحاول دائما النهوض من جديد، باحثة عن الفرح وسط المعاناة، ومؤمنة بأن الحياة، مهما ضاقت، ستظل تمضي إلى الأمام.


"جسور على الباب" بطولة: ماريا عدلي، أحمد عادل، مادونا عماد، محمد رجاء، ندى نصار، وليد أشرف، بسملة أحمد، بولا طارق، ستيفن ريمون، وإسراء ممدوح.


استعراضات مينا ثابت، موسيقي وألحان ومادة فيلمية ليالي يحيى، فوكال، محمد رجاء، استايلست وأزياء نور القناوي، إضاءة عز حلمي، تصوير فيديو وفوتوغرافيا محمد رجاء، وندى نصار، مخرجان منفذان باقلي وائل، مؤمن عيد، ومادونا عماد. 



الندوة النقدية


أعقب العرض ندوة نقدية أدارها الناقد أحمد خميس، وشارك بها الفنان د. هاني كمال، والناقد د. طارق عمار.


أوضح "خميس" أن العمل اعتمد على دراما متشعبة تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها متصلة بقضايا إنسانية كبرى، وهو ما يعكس قدرة المخرج على المزج بين التفاصيل الفردية والبعد الجمعي، لافتا إلى حسن توظيف الوسائط البصرية الحديثة كعنصر داعم للأداء الدرامي.

وأضاف أن قوة العرض تكمن في أنه لم يقتصر على تقديم حكاية واحدة، بل جمع مجموعة من القصص التي تلامس وجدان المتلقي وتضعه في حالة جدل مع نفسه بين الاتفاق والاختلاف، مشيرا إلى أن هذه الحيوية والجرأة في الطرح هي ما تمنح العمل قيمته الفنية وتفتح الباب أمام تجارب قادمة أكثر نضجا.


كما أشار إلى أن السينوغرافيا والعناصر البصرية، وخاصة توظيف الخلفية السينمائية والرموز المسرحية، أسهمت في نجاح العرض من خلال خلق حالة من الترقب لدى الجمهور، الذي يظل في انتظار كيف ستنتهي كل حكاية جزئية ضمن النسيج الدرامي. 


من ناحيته، اعتبر الناقد طارق عمار أن العرض أشبه بتأمل فلسفي في معنى الاستمرارية والتجدد، وكيفية تعامل الإنسان مع مسار حياته باعتباره حركة دائمة لا تنقطع، مشيرا إلى أن الفكرة التي يطرحها العمل تقوم على أن الحياة قائمة على دوائر متجددة. وخلال هذا الطرح، تتقاطع أزمات متعددة داخل النص مثل أزمة الخيانة، والإدمان، وفقدان الثقة، لتصنع عالما مليئا بالصراعات الداخلية، مؤكدا أن مفهوم إغلاق الدائرة يعكس الاستعداد للانطلاق في دورة جديدة من الوجود والفعل الإنساني.


 أما الفنان هاني كمال أشار إلى أن التركيز على البساطة والتناغم بين عناصر العرض كان سيمنح التجربة مزيدا من القوة والفاعلية، مؤكدا في الوقت نفسه تقديره لجهود فريق العمل وحماسهم الكبير، معتبرا أن مثل هذه المحاولات تظل خطوة مهمة على طريق تطوير الحركة المسرحية.


يقام "مهرجان مسرح الهواة" بإشراف الإدارة المركزية للشئون الثقافية، والإدارة العامة للجمعيات والمساعدات الثقافية، ويونس شعبان مقررا، ويشارك به هذا العام 9 عروض مسرحية تقدم مجانا للجمهور.

ومن المقرر أن يشهد مسرح السامر حفل ختام المهرجان وتوزيع الجوائز في الثامنة مساء اليوم.