خبيرة التراث الدكتورة نجيمة طاي طاي غزالي: علاقتي بالموروث علاقة عشق

حجاج سلامة
خبيرة التراث الدكتورة  نجيمة طاي طاي غزالي:  علاقتي بالموروث علاقة عشق


جهود كبيرة تبذلها الشارقة من أجل صون التراث العربي والإنساني

إدخال الأيديولوجيا في التراث خطر كبير


قالت الدكتورة  نجيمة طاي طاي غزالي، الوزيرة المغربية السابقة، وخبيرة التراث المعتمدة لدي منظمة اليونسكو وعدد من المؤسسات الدولية والعربية، إن أزمة العرب تكمن في أنهم تركوا كنوز تراثهم واهتم بها المستشرقون الذي جمعوها وأعادوا تدوينها وأصبغوا عليها الأيديولوجيا الغربية.

وأضافت "غزالي" في تصريحات على هامش مشاركتها بالنسخة الـ 25 من ملتقى الشارقة الدولي للراوي، أنه بدل أن بكي على التراث ونبكي أطلاله، أن نفكر كيف يمكن أن نتعامل مع التراث باعتباره جزء من هويتنا، وأن نتوقف عن النظر للتراث كـ "موضة"، وأن نتوقف عن التعامل مع بـ "استهتار" وأن ننظر له نظرة شاملة وعميقة. وأن نتمتع بالذكاء حين نتعامل مع تراثنا وموروثنا العربي، وأن نُحبّب شبابنا في الإطلاع عليه ودراسته.

وأشارت إلى الحاجة لوجود جامعات عربية متخصصة بدراسة التراث والموروث الشعبي، وشددت على القيمة الكبيرة للموروث الشعبي، وفي المقدمة منه الحكاية الشعبية التي وصفتها بأنها تأتي بمثابة مدرسة تُساهم في تعليم الصغار وتربيتهم مع الأمهات والجدات. 

وأوضحت أن الحكاية تتجاوز النص في حد ذاته، وأن حكايات الجدات والأمهات كانت تمنح السكينة والطمأنية للصغار وتشعرهم بالأمان، وحين يكبرون يفهمون الحكاية والقيم التي تجملها.

ورأت الدكتورة  نجيمة طاي طاي غزالي، أن الحكاية هي مرآة المجتمع، وأن الأم العربية حين خرجت للعمل نسيت دورها التعليمي والتربوي، وفقد الصغار متعة الحكاية.

وأكدت على أن الحكومات تتحمل المسئولية الأكبر مجال صون التراث والموروث وحمايته وإحيائه، وجعل ذلك التراث مساهما فاعلاً في التنمية.

وشددت على رفضها لبعض الدعوات التي تطالب بـ "تنقية التراث" وإعادة نشره بعد حذف وتعديل، بدعوى وجود نصوص تُخالف العقيدة، وقالت إن التراث تتم دراسته كما وجدناه. واعتبرت أن إدخال الأيديولوجيا في التراث خطر كبير، وأنه ليس من الصواب أن نحكم على تراث وموروث أمة ما بأنه جيد ونحكم على آخر بأنه غير جيد.

وحول موقفها من ترجمة الموروث والحكايات الشعبية العربية، قالت إن الحكاية التي يرويها الراوي لها خصوصية وفردية، فكيف لنا أن نترجمها، وهل لنا أن نترجم نظرات الراوي وأحاسيسه ولغة جسده؟ بالطبع سنفشل في ذلك.

وتابعت بالتأكيد على أن الرواة هم حملة الموروث وحراس الهوية، وأنه علينا أن نسجّل حكاياتهم ونوثقها بالصوت والصورة ليبقون أحياء بيننا، وليس من خلال التدوين والكتب فقط.

وحول علاقتها بالموروث وتجربتها وتجربة بلادها (المملكة المغربية) في مجال صون وإحياء التراث والموروث والحكاية الشعبية، قالت إن علاقتها بالتراث والموروث هي علاقة عشق، وعلاقة وجودية، وأنها تعمل بهذا الحقل من أربعة عقود مضت، وإنها عانت الكثير في بداية عملها بجمع ودراسة الموروث الشعبي المغربي، وأنها حين بدأت في دراسة التراث والموروث، والتحقت بالتدريس في هذا المجال، كانت تشعر بنوع من الإزدراء وبنظرة متعالية نحو كل ما هو شعبي، لكن مع الإستمرارية والتمسك بضرورة وجود التراث على قائمة الدراسة بالجامعة، بدأ كثيرون يعيدون النظر في رؤيتهم تلك، وتشجّع الباحثين على جمع وتدوين الموروث ودراسته.

ونوّهت إلى أن قدوتها في مجال جمع وتدوين ودراسة الموروث كانت الأستاذة الدكتورة نبيلة إبراهيم، التي ساعدتها في دراستها الأكاديمية، وكانت ملهمة لها وداعمة لها على الاستمرار في علمها بدراسة وتدريس التراث والموروث. وأن نبيلة إبراهيم هي أول من آمنت بمشروعها لإدخال الحكاية الشعبية في المدارس المغربية، وإكساب الطلاب مهارات من خلال الحكي.

ولفتت الدكتورة  نجيمة طاي طاي غزالي، إلى أن المغرب اليوم يمتلك تجربة رائدة في هذا المجال، وأنهم في المغرب سبقوا منظمة اليونسكو في الإهتمام بالتراث، وأنها اسست مجموعة البحث العلمي للموروث الشفهي في عام 1992، وأطلقت مهرجان "مغرب حكايات" في عام 1996، في حين أصدرت منظمة اليونسكو اتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي في عام 2003.

وبيّنت أن المغرب نجح في التعامل الجيد مع الكنوز البشرية من الرواة، وحافظ على ممارسة رواية الحكايات في الساحات الشعبية، ورد الإعتبار إلى الرواة، وحسّن من ظروفهم ومنحهم بطاقة فنان من وزارة الثقافة.

وقالت بأنهم عملوا في الأكاديمية الدولية للتراث الثقافي التي تترأسها على تخريج جيل جديد من الرواة، ومنحهم شهادات معتمدة من الأكاديمية وجامعة محمد الخامس. وباتت أعداد هؤلاء الرواة في تزايد بجانب تنامي اعداد المتقدمين لاجتياز دورات إعداد الرواة من الشباب ومن الكبار أيضاً.

وثمّنت الدكتورة  نجيمة طاي طاي غزالي، جهود الشارقة وحاكمها - عضو المجلس الأعلى لإتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة - صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، في حماية التراث الإماراتي والعربي والإنساني، واشادت بدور معهد الشارقة للتراث في إحياء فن الحكايات الشعبية، وإسهامه بدراسات وافية في مجالات التراث، وتقديمه لمئات العناوين من الإصدارات التي تدور في فلك التراث وصونه وإحيائه.

يُذكر أن الدكتورة نجيمة طاي طاي غزالي، حصلت على شهادة الدكتوراه في السيميائيات من جامعة السوربون (1991)، وهي وزيرة سابقة للتعليم غير النظامي ومحاربة الأمية في المغرب، وأستاذة بجامعة محمد الخامس في الرباط، كما تشغل رئاسة الأكاديمية الدولية للتراث الثقافي اللا مادي، وهي خبيرة معتمدة لدى منظمة اليونسكو منذ العام 2010. إلى جانب كونها كاتبة وروائية وباحثة في الطفولة والتقاليد الشفهية والسيميائيات

وأسست "غزالي" المهرجان الدولي "مغرب حكايات"، وشاركت في مؤتمرات علمية عالمية في مجالات التراث الشفهي وحوار الحضارات.