جريمة قتل هند.

احمد السماري
جريمة قتل هند.

جريمة قتل هند.

قصة كتبها:

أحمد السماري (أبو يوسف)


حين عادت الخادمتان إلى الفيلا الفاخرة، لم يكن في بالهما سوى ترتيب الغرف وإعداد العشاء للأطفال. لكن ما إن خطت أقدامهما إلى الحديقة حتى ارتجفت الأرض تحت صرخاتهما: كانت هند، سيّدة المنزل، تطفو فوق سطح المسبح، غارقة في دمائها، والمياه تحولت إلى بحيرة حمراء. سارعتهما غريزة الأمومة إلى تغطية أعين الأطفال المذعورين، كي لا يرسخ في ذاكرتهم ذلك المشهد الكابوسي.

بيدين مرتجفتين اتصلت إحداهما بالزوج، كانت تبكي وتصرخ في الهاتف. لم يطل انتظاره؛ حضر بعد عشر دقائق، وعيناه تجولان بين جثة زوجته والمسبح وصيحات الخادمات. سحب هاتفه واتصل بالشرطة. دقائق أخرى، وكان الضابط منصور وفريقه قد وصلوا إلى المكان. رجال الرفع الجنائي، خبراء البصمات والحمض النووي، يتحركون في صمت مشحون، والمصور الجنائي يلتقط الصور لمسرح الجريمة. القتل تم خنقًا باليدين، ثم طعناً بسكين، لكن لم تظهر أي بصمات على الرقبة أو بقية الجسد.

بدأت التحقيقات الأولية مع الزوج والخادمتين، بينما جاب فريق آخر أرجاء المنزل. عند دخولهم غرفة النوم، اتضح أن كل المجوهرات والذهب والألماس قد اختفت. بدت الجريمة في ظاهرها عملية سرقة انتهت بقتل. غير أن الضابط منصور، الذي تمرّس على قراءة ما وراء الوقائع، لم يطمئن لهذا الاستنتاج السهل.

من مكتبه، جلس يتصفح التقارير واحدًا تلو الآخر. شيء غريب لفت نظره: الزوج ضابط في مكافحة المخدرات. ذلك فتح بابًا مظلمًا لاحتمالات الانتقام من قبل عصابات لم تجد إليه منفذًا سوى زوجته. غير أن الرجوع إلى موقعه الوظيفي كشف أنه بعيد عن التحقيقات والمداهمات. عندها جاءه ما أضاء بعض الغموض: مكالمة مع والدي القتيلة. الأم تحدثت بمرارة قاطعة عن صهرها: “لم تحبه يومًا، نصحتها مرارًا بالانفصال عنه. المال لا يبرئ القلب الفاسد.”

ازداد ارتباك منصور حين علم أن هند، رغم ثراء بيتها، كانت تعمل مفتشة جمارك براتب ضئيل لا يضيف شيئًا إلى حياتها المترفة. والأدهى أن والدتها رفضت استقبال الزوج أو قبول عزائه في ابنتها.

قرر الضابط مقابلتها على انفراد. لم تقل الكثير، اكتفت بعبارة غليظة المعنى: “الله يغنينا بالحلال عن الحرام… والحرام نهايته الخسران.” عندها أدرك منصور أن شيئًا أعمق يُدار في الخفاء.

طلب من مساعده مراجعة سجلات الاتصالات. أول خيط ظهر: رقم مدير هند في الجمارك. اتصالات متكررة خارج أوقات الدوام، بينه وبين الزوج، وبينه وبين القتيلة. بلغت ذروتها يوم الجريمة. بدأت دائرة الشك تتمدد. سرعان ما أثبتت التحقيقات أن المدير غارق في فساد: حسابات بنكية متضخمة، ممتلكات فارهة لا يبررها راتبه الحكومي.

لكن ما الرابط بينه وبين الزوج؟ ولماذا أصرّ الأخير أن تعمل زوجته في إدارة صديقه تحديدًا؟

حين ضيّق منصور الخناق على المدير، واجهه بالأدلة وهدده بالاتهام المباشر. ظل صامتًا ساعات، إلى أن انهارت مقاومته في آخر الليل. اعترف بصوت مبحوح: “الزوج… هو القاتل.”

انكشفت الخيوط. هند، من دون أن تدري، كانت غطاءً لصفقات مشبوهة تمر عبر الجمارك. الصفقة تبدأ عند الزوج الضابط، وتنفذ بواسطة المدير الفاسد. وحين اكتشفت الحقيقة وواجهت زوجها، حاول استمالتها بمساعدة مديرها، لكنها تمسكت بقرار فضح الأمر في صباح اليوم التالي. عندها لم يجد سوى أن يخنقها بيديه، محولًا بيتها إلى مسرح للجريمة.

الضابط منصور، وهو يدوّن الاعترافات، شعر بوطأة الحقيقة. الخيانة بدأت من مكاتب العمل، وانتهت بجريمة قتل بين جدران المنزل. والقاتل لم يكن لصًا غريبًا يقتحم البيت، إنما أقرب الناس إلى الضحية