دردشة على هامش مدينة: ڤينيسيا بين زفاف بيزوس ولعنات السياح

عزة زين - ألمانيا
    دردشة على هامش مدينة: ڤينيسيا بين زفاف بيزوس ولعنات السياح

 كنت أشاهد لقطات من حفل زفاف جيف بيزوس في ڤينيسيا، بطبيعة الحال، تكلفة الحفل وقائمة المدعوين كفيلتان بصنع قصة وحدهما. بعض الأخبار التي انتشرت تناولت الحدث بنوع من التندر، قائلين إن "الجوازة سودة على دماغه"، وإن سقوط المطر الذي كاد أن يفسد الحفل ليس إلا "علامة شؤم، في المقابل، تفاءل البعض الآخر، معتبرين المطر رمزًا للرخاء، وكأن بيزوس بحاجة إلى دعاء طيب كي "يفتحها ربنا عليه ويوسع رزقه  "!


المدينة التي لا تنسى:

ڤينيسيا، لمن زارها — وقد زرتها في كل حالاتها — مدينة ساحرة؛رأيتها مشمسة ومبهجة تضعك في مزاج رومانسي وأنت تتأمل الجندول المزينة بالورود تسير ببطء في مياه القناة الداكنة، تحاول تجاهل اهتزازاتها وخوفك من الانقلاب، مركّزًا فقط على المشهد والعاطفة، وزرتها أيضًا تحت المطر، حين لا تعرف أين تختبئ، فكل الطرق تؤدي إلى الماء، وكأنك محاصر بين البلل والغرق؛أما في أسوأ حالاتها، حين يلفها الضباب، فقد أقسمت حينها ألا أعود إليها... لكنني عدت، كما يفعل العشاق دائمًا.

ربما لهذا السبب، أو لما في ڤينيسيا من خلفية أسطورية ومعمار باروكي فريد، اختارها بيزوس مثلما فعل جورج كلوني من قبله. المدينة تمنح ضيوفها مشهدًا سينمائيًا متكاملًا: شرفات تطل منها رؤوس مقنّعة بأقنعة ملونة، كأنك في عرض حيّ لفيلم لا ينتهي.

ڤينيسيا... مدينة ضاقت بزوارها:

لكن ڤينيسيا اليوم، كغيرها من مدن أوروبية كثيرة، لم تعد ترحب بالسياح. سكانها، كأهل فلورنسا وبرشلونة وأمستردام، سئموا السياحة، لم يعد الأمر خفيًا، بل تحوّل إلى تظاهرات، وملامح غاضبة، ولافتات تطالب بتقنين أعداد السياح.

السبب؟


أولًا، ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل جنوني. كيف لا، ومالك العقار يستطيع تأجير شقته أسبوعًا لسائح بمبلغ لا يستطيع المواطن دفعه في شهر كامل؟


سياحة الشقق المؤجرة — التي يفضّلها البعض على الفنادق — تحرم السكان من حقهم في السكن، وتُنتج حالة غليان غير مرئية، لكنها محسوسة.

ثانيًا، الزحام واستهلاك البنية التحتية للمدن. تضغط أعداد الزوار على وسائل المواصلات والخدمات العامة والسلع الأساسية، وحتى على نظافة دورات المياه العامة!

لكن أخطر ما في الأمر، في رأيي، هو اقتحام السياح للهوية الثقافية والمحلية، دون أي مراعاة لأهل المدينة.
أتذكر في مايوركا الإسبانية، كيف كان أهلها متجهمين في تعاملهم مع الألمان، بسبب حفلات Ballermann  التي لا تنقطع فيها الموسيقى والكحول، وتزعج السكان ليل نهار. وفي برشلونة، تتكرر الشكاوى من السياح الذين لا يحترمون قواعد زيارة المتاحف أو السلوكيات العامة.

بيزوس في الجندول... لكن بلا زهور:

عندما جاء بيزوس إلى ڤينيسيا، ربما أسعد بعض أصحاب الفنادق والمطاعم الذين حظوا بالدعاية المجانية، لكن أهل المدينة لم يغفروا له؛ عبّروا عن استيائهم بطريقة رمزية لاذعة: صنعوا له ولعروسه دمى كاريكاتيرية، وضعوها في جندول بلا زهور، بلا قائد، ومعهما أوراق نقدية مزيفة، كأنما يقولون لهما: "لا نريدكما ولا نريد أموالكما. لا تستطيعان شراء سلامنا وهدوءنا."

ربما يتذكر بيزوس — إذا فشلت الزيجة لا قدر الله — ذلك المطر الذي تسلل إلى زفافه، ويتساءل إن كان علامة سوء؛ ربما يتذكر مفاوضات الطلاق الأول، وتنازله عن 25٪ من أسهم أمازون لطليقته.
ربما يتذكر الجندول الذي لم يقفز منه، وأغرقته هذه المرة رومانسيته، لا بعطر العواطف، بل بزفارة القناة.