إرهاصات نظرية التلقي.. في نقد حازم القرطاجني وتقاطعها مع فرضيات ياوس وآيرز

حجاج سلامة
إرهاصات نظرية التلقي.. في نقد حازم القرطاجني وتقاطعها مع فرضيات ياوس وآيرز



يدرسُ الباحث الجزائري الدكتور عبدالقادر بغاديد مدى تجلي نظرية التلقي ﰲ التراث النقدي العربي بعامة، وفي نقد حازم القرطاجني بخاصة، عبر كتابه الجديد "إرهاصات نظرية التلقي في نقد حازم القرطاجني وتقاطعها مع فرضيات ياوس وآيرز".

ويأتي الكتاب رغبة منه ﰲ إعادة الروح لأعمال العالم الجليل والناقد الكبير حازم القرطاجني، ونفض الغبار عن كتاباته ولاسيما مؤلفه "منهاج البلغاء وسراج الأدباء"، الذي عُدّ من أهم مصادر النقد العربي وأجلها.

الكتاب نفسه، وقد صدر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون"، في الأردن (2025)، اعتمد فيه المؤلف على المنهج الاستقرائي الذي يتلاءم وقضايا التلقي وتجلياته عند حازم القرطاجني.

وقد درس د. بغاديد، في الكتاب، التلقي كتأسيس تنظري ﰲ البداية مُتمثلا ﰲ الجهد الغربي، ثم البحث عن مكامن هذا التأسيس ﰲ التراث النقدي العربي عامة وفي النقد الحازمي على وجه التحديد، مخالفا ﰲ ذلك التتبع التاريخي والأسبقية الزمنية ﰲ طرح الإشكال، حيث تفرع بحثه بذلك إلى ثلاثة فصول، كانت فاتحته بمدخل تناول فيه عناصر وأسس العملية التواصلية وتحديد مفاهيمها ﰲ مقارنة بين الغرب والعرب، وبعد ذلك فصل أول خصصه لنظرية التلقي ﰲ مضانها الأولى وانطوى على ثلاثة مباحث هي كما يلي: 

المبحث الأول: الأصول المعرفية لنظرية التلقي. 

المبحث الثاني: نشأة نظرية التلقي وعلاقتها بالمدارس النقدية الغربية. 

المبحث الثالث: ركائز نظرية التلقي وأعلامها. 

وتناول ﰲ الفصل الثاني التلقي ﰲ الحركة النقدية الغربية والعربية ﰲ ثلاثة مباحث: 

المبحث الأول: التلقي ﰲ النقد اليوناني. 

المبحث الثاني: التلقي ﰲ الموروث النقدي العربي. 

المبحث الثالث: الجهود العربية الحديثة ﰲ التلقي. 

أما الفصل ثالث فعرض فيه المؤلّف للتلقي ﰲ النقد الحازمي ﰲ ثلاثة مباحث هي: 

المبحث الأول: الأصول المعرفية والأسس النقدية ﰲ ضوء المنهاج. 

المبحث الثاني: ملامح التلقي عن حازم القرطاجني. 

المبحث الثالث: تلاقح النقد الحازمي مع فرضيات ياوس وآيزر. 

وقد اختتم د. بغاديد الكتاب بخاتمة ضمنها أهم النتائج التي توصل إليها، وخلالها يشيرُ إلى أن نظرية التلقي واجهت مخاضا عسيرا قبل أن تخرج للوجود كنظرية لها من الأسس والركائز ما يجعلها رؤية نقدية جديرة بالاهتمام الذي حُظيت به، ويمكن حصر هذا المخاض ﰲ نقطتين هما: 

- اتجاه أول: مثله النقد الماركسي وفيه يكاد يُلغى دور المتلقي ﰲ العملية التواصلية وتلقي العمل الأدبي. 

- اتجاه ثاني: مثلته الوجودية والبِّنيوية أين ظهرت بعض الإرهاصات الفردية التي أعطت المتلقي بعض من الاهتمام". 

ويستطرد المؤلف في الخاتمة نفسها: "مع وقوفنا مع حازم القرطاحني من خلال مؤلفه "منهاج البلغاء وسراج الأدباء" والذي استطاع صاحبه أن ينفرد بإبداع نقدي متميز للشعر العربي بكشفه عن خصوصية ﰲ الشعر لم يكن لها اهتمام من قبل وبالأخص العلاقة بين النص والمبدع والمتلقي ﰲ العملية التواصلية، وبذلك يمكننا إيجاز بعض النتائج المتوصل إليها كما يلي: 

- تغيُّر النظرة النقدية العربية خاصة بعد إطلاع النقاد العرب القدامى على ثقافة غيرهم ما أعطى الدرس النقدي القديم طابع الدقة والمنطق وذلك من خلال تعرضهم لقضايا الشعر اليوناني خاصة كتاب "فن الشعر" لأرسطو والذي تعددت شروحاته وقراءاته بين الكثير من النقاد العرب. 

- إطلاع النقاد العرب القدماء على ثقافة الغير اليونانية أخرج الدرس النقدي من تلك المحاولات الأولية التي لم تكن سوى رصد لقوانين عن طريق الذوق الفني مع تداخل النقد مع البلاغة فتعدت القضايا النقدية. 

- بروز حازم القرطاجني ومحاولته الجادة ﰲ الجمع بين بلاغتين: بلاغة عربية خالصة وأخرى منطقية اعتمد ﰲ الأولى على المؤلفات الشعرية العربية ﰲ ضبط نظريته حول الشعر والشاعر باستناده على قضايا تخص الشعر العربي ومحاولة الربط بينهما. 

- اعتماد حازم القرطاجني على البلاغة المنطقية والتي استمدها من النظرات الأرسطية وما جاءت به الفلسفة اليونانية من قضايا أحسن فهمها وأخذ منها ما أفاده ﰲ ضبط آرائه النقدية، كالمحاكاة التي ربطها بالتخييل والوزن والموسيقي وما لهما من وقع ﰲ نفس المتلقي. 

- براعة حازم النقدية من خلال تجاوزه لبعض قضايا الشعر أو موافقته لها كالأوزان والقوافي والتي رفض فيها الدوائر الشعرية العروضية وكذلك المطالع والمقاطع والوحدة العضوية للقصيدة وما تعلق بالشكل والمضمون، واهتمامه بعنصر المراوحة بين المعاني الشعرية والخطابية وعلاقة المبدع بالتلقي ﰲ إظهار الشعرية. 

- ظهور بعض الإرهاصات الأولية عن التلقي ﰲ المصنفات النقدية القديمة والتي مهدت للدراسات الحديثة وخاصة ما ظهر منها ﰲ الفكر النقدي الحازمي من خلال اهتمامه بالمتلقي كطرف ﰲ حدوث العملية التواصلية وبناء النتاج الأدبي. 

- ترك حازم لرؤية نقدية وإرث معتبر أبان للعيان نضج حسه الإبداعي والنقدي، وعليه فقد حظي درسه فيما بعد بالاهتمام باعتباره الواضع الأول للأرضية التي ضُبطت فيها خصوصية الشعر العربي من خلال ميلاد أفكار جديدة وإبداعات فريدة غيرت النظرة الحُكمية ﰲ النقد حتى انتهى الموقف إلى التأصيل للنقد العربي وخاصة ما تعلق بالشعر".