الموسيقى الجزائرية: أصالة متفردة تتماس مع النغم العربى وتنطلق إلى العالمية

حليمة محمد براهمى - الجزائر
الموسيقى الجزائرية: أصالة متفردة تتماس مع النغم العربى وتنطلق إلى العالمية


حليمة محمد براهمى- الجزائر

 

من أزقة وهران، إلى مدرجات باريس، ومسارح نيويورك؛ لم تعد الأغنية الجزائرية مجرد تراث محلي، بل أصبحت صوتًا عالميًا. فما السر؟ فن "الراي" هو المفتاح، بدءا من "الشاب خالد" وليس انتهاءا  "بسول كينغ"، هؤلاء حملوا موسيقى الراي من الأحياء الشعبية إلى المنصات الدولية، فأصبح الغناء الجزائري ظاهرة فنية عالمية، يتردد صداها في المهرجانات الأممية، وتُتَداول أغانيه عبر منصات الموسيقى في مختلف أنحاء العالم. هذا الانتشار لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل الثقافية، الفنية، والتاريخية التي ميّزت الجزائر وأبناءها. فما الذي جعل الغناء الجزائري يصل إلى هذا المستوى من العالمية؟

الثراء النغمى والتنوع الموسيقى:

 تُعد الجزائر بلدًا واسعًا متعدد الثقافات، يجمع بين الأمازيغية والعربية، ويستوعب تأثيرات أندلسية، إفريقية، متوسطية وحتى غربية، هذا التنوع انعكس في تعدد أنماط الغناء المحلى مثل: موسيقى الراي التي انطلقت من أزقة مدينتي وهران وسيدي بلعباس، والشعبي العاصمي، والحوزي الأندلسي في تلمسان، وغيرها من الأنماط الموسيقية التي تعكس ألوانًا تراثية تجذب جماهير واسعة في الجزائر والوطن العربي وعدد من دول العالم

الراي بوابة العالمية:

 يُعتبر فن الراي أحد أهم أسباب شهرة الغناء الجزائري متجاوز الحدود، خاصة مع نجوم مثل الشاب خالد، الشاب مامي، والشاب فوضيل. أغاني مثل "ديدي" و"عبد القادر" وصلت إلى قوائم الأغاني الأكثر انتشارا وبُثّت على أوسع نطاق. المزج بين اللغة العربية والفرنسية واللهجة الجزائرية أصبح صيحة غنائية، مع أنغام إلكترونية غربية، سهل تقبّل "موسيقى الراى" في الأسواق العالمية.  

الهجرة ودور الجالية الجزائرية:

 ساهمت الجالية الجزائرية الكبيرة في أوروبا، خاصة في فرنسا، في نشر الموسيقى الجزائرية من خلال الحفلات والمهرجانات والقنوات الفضائية. كما أن الفنانين الجزائريين الذين يعيشون في الخارج لعبوا دور "سفراء فنيين"، حيث حافظوا على جذورهم الفنية وقدموا موسيقى تمزج بين الأصالة والحداثة.  أيضا ساهمت منصات مثل "يوتيوب وسبوتيفاي" في إيصال الأغنية الجزائرية إلى جمهور عالمي دون الحاجة إلى شركات إنتاج ضخمة. كثير من الفنانين الجزائريين الشباب (مثل سولكينغ، ديدين كانون 16، وتيف) استطاعوا جذب ملايين المتابعين بفضل هذه المنصات.

 

الأغنية الجزائرية تصالح الواقع:

تتميز الأغنية الجزائرية بقدرتها على التعبير عن هموم الناس، الحب، الغربة، الحرية، والهوية. هذا الصدق الفني يجذب المتلقي مهما كانت ثقافته، لأنه يلمس شيئًا مشتركًا في الإنسانية.

ولعل أغنية "يا رايح وين مسافر تروح تعيا وتولي" يا الرايح هي أغنية جزائرية ذات شهرة عالمية كتب كلماتها وغناها المطرب الشعبي الجزائري دحمان الحراشي. الأغنية تحكي عن معاناة المهاجر في ديار الغربة من التهميش والإقصاء والشوق للعودة للوطن، وفيها نصيحة للمهاجر بدعوته للعودة إلى الوطن الأم باعتبار الهجرة إلى ديار الغربة لا تعتبر حلا صحيا ولا طبيعيا للمهاجرين العرب. ، التي تُرجمت إلى أكثر من 80 لغة في العالم، خير دليل على هذا الانتشار كذلك تعاون العديد من الفنانين الجزائريين مع نجوم عالميين مثل ستينغ، وبيتبول، وديفيد غيتا، مما فتح أبوابًا جديدة للغناء الجزائري نحو جماهير أوسع

 الطرب الأندلسي؛ جذورعريقة:

 لا يمكن الحديث عن الغناء الجزائري دون التوقف عند الطرب الأندلسي، أحد أعرق الألوان الموسيقية التي ورثتها الجزائر عن الحضارة الأندلسية. هذا الفن الذي ازدهر في مدن مثل تلمسان، الجزائر العاصمة، وقسنطينة، يتميّز بجمال ألحانه، عمق كلماته، وبنيته المقامية المعقدة. وقد حافظت عليه المدارس الفنية مثل "الغرناطي"، "المالوف"، و"الصنعة"، ونقلته الأجيال عبر قرون، حتى أصبح مرجعًا ثقافيًا وفنيًا في شمال إفريقيا. ورغم طابعه الكلاسيكي، إلا أن بعض الفنانين الشباب بدأوا في دمجه بعناصر عصرية، مما جعله أكثر قربًا من الأجيال الجديدة، وساهم في تقديمه لجمهور أوسع خارج الحدود.

  أمين شايب دراع؛ حامل مشعل التراث الموسيقي الجزائري:

 يُعد الفنان الهاوي "أمين شايب دراع" من الأصوات النشطة في الساحة الثقافية الجزائرية. وُلد سنة 1985 بمدينة بني صاف غرب الجزائر، وقد جمع بين الغناء والعزف على آلة الجيتار لأكثر من 15 سنة، ما منحه رصيدًا فنيًا غنيًا وتجربة مميزة في أداء مختلف الطبوع الموسيقية الجزائرية. أسس "أمين" فرقة موسيقية تحت اسم "نوستالجيا"، والتي تعني "الحنين إلى الماضي"، تهتم بإحياء التراث الموسيقي الجزائري بمختلف أنماطه، مع الحفاظ على أصالته وجماله. وقد شارك رفقة فرقته في العديد من التظاهرات الثقافية والفنية، من أبرزها "المهرجان الجهوي للأغنية الوهرانية"، وفعاليات إحياء ذكرى "الفنان الشهيد علي معاشي" -شاعر ومغنى وموسيقى جزائرى عرف بأغانيه الوطنية من أجل الاستقلال إبان الاحتلال الفرنسى لبلاده، تطور فنه وأوجد لنفسه بصمته الخاصة من خلال دمج النغمة الوهرانية الأصيلة التي وافقت صوته العذب. وتغنى بقصائد متنوعة بين الغزلية والثورية فتغنى بالمرأة وبالجزائر ومناطقها. فاشتهر بأغان كثيرة مثل «يا بابور» وهي أول ما ألف و«تحت سماء الجزائر» و«طريق وهران» و«أنغام الجزائر» المعروفة بمطلعها «يا ناس أما هو حبي الأكبر...» والتي جمع فيها مختلف الطبوع الجزائرية عبر 15 دقيقة-ويكيبيديا " التي تُصادف يوم 8 جوان –يوليو- من كل عام، والمعروف بـ"يوم الفنان ."


            على معاشى

تميز "أيمن دراع" خلال مسيرته بعدة مشاركات وطنية، حصل خلالها على جوائز، إضافة إلى مشاركته سنة 2011 في فعاليات تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية. كما تألق في الطبعة السابعة من المهرجان الوطني للأغنية الوهرانية، وفيها نال المرتبة الثانية عن فئة الأغنية الوهرانية الأصيلة، التي ترتكز على الشعر الملحون البدوي، متأثرًا في ذلك برواد هذا الفن مثل "أحمد وهبي" و "بلاوي الهواري".  يتأثر أمين شايب دراع أيضا بـالشعر الملحون المستحدث، الذي أعاد فنانون جزائريون كبار إحياءه وتطويره عبر مزجه بـالموسيقى الغربية العصرية، مما أدى إلى ظهور نمط جديد يُعرف بـ"الأغنية الوهرانية المعاصرة". "ويتعامل الفنان مع هذا الإرث بأسلوب وفاء واحترام، ساعيًا إلى تقديمه بروح جديدة. كما يهتم شايب دراع بعدة طبوع موسيقية جزائرية، منها الطابع الشعبي العصري متأثرًا "بـكمال مسعودي" و"الهاشمي قروابي"، إضافة إلى اشتغاله على موسيقى "الحوزي التلمساني" و"الراي العصري" النظيف.

(الحوزي هو نوع موسيقي و غنائي مشتق من الموسيقى الأندلسية ، و ظهر بولاية تلمسان . فهو فن غنائي معروف بمقطوعات شعرية منظومة باللسان الدارج و اللغة العامة في قالب موسيقي خاص ، فهو يقرب من حيث الأداء من النغم الأندلسي ، كما أنه يتميز بقلة اللجوء إلى نغمات متعددة و قصر المسافات الصوتية لمغنيه.


الراي «من الرأي، أي ابداؤه» هو حركة موسيقية غنائية جزائرية، بدأت في الغرب الجزائري، تاريخ هذا الطبع الغنائي قديم حدد بعض الباحثين تاريخ نشأته إلى زمن التدخل الأسباني في الجزائر في القرن 18 ومكان نشأته في مدن غرب الجزائر، كمدينة وهران وسيدي بلعباس ثم عين تموشنت وغليزان.[  عرف فن الراي بين الحاضر و الماضي تجديدا في طابعه الموسيقي، حيث كان من يغنيه في بداية نشأته يعرفون بالشيوخ والشيخات ثم في أواسط السبعينيات ظهر لقب آخر وهو الشاب والشابة كإشارة للتجديد الكبير الذي ظهر على هذا الطابع الموسيقي) ويكيبديا

وقد كانت له أيضًا تجارب فنية في العمل المسرحي كعازف جيتار، ما أضفى على تجربته بعدًا فنيًا متعدد الأوجه  . بفضل صوته المميز وحرصه على أداء التراث بأمانة، يُعتبر أمين شايب دراع من الفنانين الذين يواصلون حمل مشعل الموسيقى الجزائرية الأصيلة، ويسهمون في ربط الأجيال الجديدة بجذورهم الثقافية