بيت السيد والسيدة بونفيلس: المشروع الاستعماري الغربي في صورة

شذى يحيى- مصر
بيت السيد والسيدة بونفيلس: المشروع الاستعماري الغربي في صورة

شذى يحيى

المشروع الاستعماري الغربي كان فكرة محورية متشابكة مع الثقافة، الدين، وروح الفلسفة الغربية. فكرة آمن بها ملايين البشر: "إن الغرب يحتكر مفاتيح السعادة والخلاص، ليس فقط في هذه الحياة بل فيما بعدها"، هذا الإيمان جعلهم يعتبرون أنفسهم مخلوقات أرقى، ويمنحهم حق السيطرة على ما يملكه الآخرون، بل حتى التحكم في وجودهم ذاته، معتبرين الشعوب الأخرى أقرب إلى الحيوانات، يجب استغلال مواردهم عبر الحداثة والعلوم التي أنتجتها الفلسفة الغربية،
لإثبات هذه الأحقية في الشرق، استخدم الغرب أدوات متنوعة، مثل التصوير الفوتوغرافي، وحفريات الآثار، وتسخير اختراعات عصر ما بعد الثورة الصناعية وأفكار عصر التنوير.

من هو فيلكس بونفيلس؟

كان فيلكس بونفيلس (1831–1885) فرنسيًا عاديًا، يعمل في تجليد الكتب في بلدة صغيرة بفرنسا. استمر في عمله هذا حتى عام 1860، عندما التحق بحملة الجنرال شارلز دي بوفورت، التي أُرسلت إلى سوريا وجبل لبنان لحماية المسيحيين بعد مذابح حدثت إثر معارك مع الدروز. خلال مشاركته في الحملة، تعلم بونفيلس فن الطباعة بالحفر على الألواح المعدنية، وافتتح مكتبًا للطباعة في مدينة "أليس" الفرنسية عام 1864
بعدها، انتقل سريعًا إلى التصوير الفوتوغرافي، الذي أصبح شغفه مع ظهور هذه التقنية الجديدة.


ليدى بونفيلس

بداية مشروع التصوير في بيروت:

في عام 1867، كان بونفيلس قد استقر نسبيًا في عمله بفرنسا. كان متزوجًا من ماري ليدي كابانيس (1837–1915) منذ عام 1857، ولهما طفلان: أدريان وفيلست. لكن حين أصيب أدريان بمرض صدري، نصحه الأطباء بالانتقال إلى مكان أكثر دفئًا لتحسين صحته.

اقترحت ماري، المتأثرة بحكايات الشرق، الانتقال إلى بيروت، حيث لاحظت أن سوق الصور الفوتوغرافية، خاصة الإثنوغرافية وصور المعالم الدينية، يحقق أرباحًا كبيرة. لذلك، طلبت من زوجها تصفية أعماله في فرنسا، لتبدأ العائلة مشروعًا جديدًا في بيروت، حيث أسسوا استوديو أطلقوا عليه اسم "Maison Bonfils" بيت بونفيلس.

بيت بونفيلس بين الدين والتجارة:

كانت ماري شخصية متدينة، تهتم بالتبشير وإلقاء المواعظ. وجدت في بيروت فرصة لتحقيق هدفين: نشر المسيحية من خلال الصور، وتحقيق أرباح تجارية، سوق التصوير الفوتوغرافي في الشرق الأوسط كان يعج بالمنافسين، إذ كان هناك أكثر من 200 استوديو موزعين في أنحاء الدولة العثمانية، خاصة في مصر ولبنان.
ومن أبرز الأسماء التي برزت في تلك الفترة:

  • أنطونيو بيتو في الأقصر
  • الأخوة زانجاكي في السويس
  • جابرييل ليكيجيان في القاهرة

لكن قرب بيت بونفيلس من المعالم الدينية والإنجيلية في بيروت أعطاهم ميزة تنافسية على مدار العام، وليس فقط في أوقات الرحلات.

"ليدي بونفيلس" العنصر السري للنجاح:

كانت ماري بونفيلس العقل المدبر للمشروع، إذ أدارت الأعمال المالية والإدارية بكفاءة، وكانت مسؤولة عن إعداد مكونات الصور باستخدام الألبومين (بياض البيض). ووفقًا لروايات حفيدها، كرهت ماري البيض لاحقًا بسبب كثرة استخدامه في تجهيز الصور، لكن أهم إنجازاتها كان اختراقها للمجتمع البيروتي المحافظ، حيث استطاعت تصوير السيدات، وهو ما جعل الصور الإثنوغرافية الخاصة ببيت بونفيلس مميزة للغاية.


إنتاج هائل وانتشار عالمي:

خلال الأعوام الأربعة الأولى، أنتج الاستوديو أكثر من 15,000 صورة و9,000 لوح زجاجي، شملت فلسطين، لبنان، سوريا، مصر، واليونان. كان فيلكس من أوائل المصورين الذين استخدموا تقنيات تلوين الصور منذ عام 1880 ، كما جالت عائلة بونفيلس لالتقاط صور في القاهرة والإسكندرية، واستعانوا بمصورين محترفين مثل جورج صابونجي وهنري رومبو،
حصل الاستوديو على جائزة في معرض باريس العالمي عام 1878 عن ألبومات " تذكارات الشرق"، التي تضمنت صورًا لمصر، القدس، بيروت، دمشق، والقسطنطينية.

التوسع التجاري ومساهمات إضافية:

افتتح بيت بونفيلس فروعًا في باريس ومدن أخرى، واستعانوا بمؤسسات مثل بنك البحر المتوسط لتمويل توسعاتهم. لاحقًا، تغير اسم الاستوديو إلى "بونفيلس وشركاه". اشتروا أيضًا مجموعات صور لمصورين آخرين، مثل تانكريد دوما وجان بابتيست تشارليز، وضموها إلى أعمالهم.

نهاية الحقبة:

توفي فيلكس بونفيلس عام 1885 في أليس أثناء تجهيزه لمعمل كروت بوستال. استمرت ماري بإدارة الاستوديو، وافتتحت فروعًا جديدة في القدس، بورسعيد، وبازل، واستعانت بوكلاء تسويق في لندن والولايات المتحدة،
لكن مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، اضطرت ماري لمغادرة بيروت إلى الإسكندرية، حيث توفيت عام 1915. في 1909، اشترى المصور الأرمني أبراهام جورجيسيان الاستوديو وأدار أعماله حتى قبيل الحرب العالمية الثانية، ليُغلق الاستوديو نهائيًا عام 1938 .

إرث بيت بونفيلس:

رغم أن استوديو بونفيلس لم ينجُ من التغيرات التاريخية، إلا أن أعماله تظل شاهدة على حقبة فريدة في تاريخ التصوير الفوتوغرافي والتفاعل الثقافي بين الشرق والغرب. الصور التي أنتجوها ما زالت تُعرض في متاحف عالمية وتُعتبر مرجعًا بصريًا هامًا.

المراجع:

Robert A. Sobieszek and Carney E.S. Gavin, *Remembrances of the Near East: the photographs of Bonfils, 1867-1907*, May 23 - September 1, 1980, International Museum of Photography at George Eastman House.

 

   Abbé A. Raboisson, *En Orient*, Paris, Librairie Catholique de l’Oeuvre de Saint-Paul, 1886, t.2, p.315.

 

   In December 1914, the Ottoman Empire entered in war besides Germany; French people living in Lebanon became enemies of the regime. Lydie Bonfils and her family left Beirut for Cairo where Adrien stayed for five years as a restaurant and hotel manager before he could return back to Brummana and eventually leave Lebanon for Nice in France. His mother, Lydie Bonfils, passed away in 1918 in Cairo where she is buried.

 

   The interviews were made by the Harvard Semitic Museum team who was doing some research on the Bonfils family and by Fouad Debbas as well. The interviews were recorded by Elizabeth Carella, who was at that time Chief Photographer at the Harvard Semitic Museum and, along with Father Carney E.S. Gavin. Mrs. Marcelle Pinatton was interviewed on April 21, 1979, at her home in Paris, and Mr. Roger Bonfils in December 1979 in Royat, France. Fouad Debbas has kept traces of those accounts and interviews in its personal documentation and collection.

 

   Fouad Debbas, *Des photographes à Beyrouth, 1840-1918*, Marval, Paris, 2001, p.48.