وجيه اللقاني: سينما بلا حدود.. من شغف التجربة إلى بناء الجمهور

تامر صلاح الدين
وجيه اللقاني: سينما بلا حدود.. من شغف التجربة إلى بناء الجمهور

الصدفة والبحر والإحتياج تصنع سينما للجميع

حوار: تامر صلاح الدين- الأسكندرية

 

فى مدينة يقبل موج المتوسط أطرافها كل ليلة، يحمل إليها البحر هدايا لا يحملها إلى غيرها، ويتنسم أهلها هواءا مغسولا بين مائين: المتوسط ومريوط، يصبح الإنسان فيها خاضعا للتجربة بكل حواسه، مندفعا إلى الفن ولو لم يشعر بذلك، وفى قلبه حصان طروادة يتحدى به العالم، واحد من هؤلاء هو وجيه اللقانى الذى اقتحم عالم السينما، وفى سنوات قليلة أصبح أحد أهم رواده وصانعيه، فمن هو وكيف حقق هذه الخطوات الكبيرة فى سنوات قليلة، وهل فى جعبته مزيد من المشروعات الفنية؟ الإجابة فى السطور التالية:

-         من هو وجيه اللقانى؟

-    أنا سكندرى جدُ عن جد، ولدت فى المنشية، بوسط المدينة، نشأت وعشت حكايات الأسكندرية العظيمة، وقت أن بدأ الجمال العمرانى ومساحات الهواء النقى فى التراجع، بشكل مباشر أو غير مباشر تأثرت بتكوين المدينة الحاضر وكذلك بتاريخها، تعلمت فى مدارس أجنبية، درست إدارة الأعمال وعملت بالميناء، قادتنى الصدفة إلى التعرف على الأفلام المستقلة وصانعيها، بسبب تواجدى الدائم فى قلب المدينة حيث المراكز الثقافية تتعاطى مع مختلف الفنون وخاصة فن السينما.

-         كيف بدأت علاقتك بالفن؟

-    فى بداية الألفية تصاعدت الحركات المستقلة لإنتاج الفن، وعلى مقهى بوسط البلد تعرفت على المخرج المسرحى تامر محمود الذى حدثنى عن فنون المسرح وأنواعه، وبدأت فى متابعة العروض الفنية؛ مسرحية وسينمائية للفرق المستقلة، وفى عام 2010 طلبنى المخرج إبراهيم البطوط وهو أحد أهم رواد المجال، لأؤدى دور ضابط يحقق مع راقصة فى فيلمه حاوى، وقد تأثر الجمهور بدورى القصير والمحورى، وفوجئت بحصولى على جائزة أفضل ممثل ثان فى مسابقة جمعية الفيلم عام 2011 ، وبدأ البطوط فى طرح الفيلم تجاريا فى السينمات من خلال شركات التوزيع التى لم تهتم بتوفير الدعاية المناسبة، ومن هنا بدأت أتعرف على مشكلات التوزيع، وعلق فى ذهنى أفكار لتحسين الدعاية لهذا العمل تحديدا رغم انعدام الخبرة.


   At night they Dance

  متى وكيف بدأت خطوتك الأولى كسينمائى؟  

-    فى 2012  دعيت لمشاهدة فيلم تسجيلى لمخرجة كندية عن حياة راقصات شارع محمد على المعاصرات هو فى الليل يرقصن وعرض بأحد المراكز الثقافية، وكنت مع أحد مخرجى المسرح وفنانة تشكيلية واحدة نشكل كل الجمهور، وفى نفس الوقت كانت المقاهى قد بدأت فى استخدام شاشات ال LCD لجذب الجمهور لمشاهدة مباريات كرة القدم، ومن هنا قررت عرض الأفلام المستقلة لجمهور المقاهى من خلال إطلاق مبادرة سينما فى كل مكان، فذهبنا للجمهور بدلا من أن يأتى إلينا.

-         ما نوع التشبيك والدعم وقتها؟

-    لم يكن لدى أى إمكانيات فلجأت إلى ستوديو Fig Leave وصممت لوجو للمبادرة وأنشأت صفحة على FaceBook إضافة إلى lab top وكان سوء تفاهم هو أول فيلم نعرضه من مقهى لمقهى، ثم ذهبنا إلى المؤسسات الأهلية والأندية الشعبية وقدمنا عروضا مجانية بأقل الإمكانيات لمدة عام ونصف متصل، ومنها جمعية الصم وقتها عرضنا أفلام قصيرة صامتة "بدون حوار" مثل بعيدا عن الحرارة للمخرج مينا نبيل، بعدها بدأنا فى احضار تجهيزات بسيطة مثل سماعتين صغيرتين، كاميرا وشاشة LCD نستخدمها فى العروض، وبذلك تمكنا من الإنتقال إلى المناطق الشعبية والريفية فى ضواحى الأسكندرية كالعزب والقرى تحديدا فى منطقة  أبيس، وفى عام  وفى عام 2016 انطلقنا إلى الدلتا ومدن وقرى الصعيد وواحتى الداخلة والخارجة، وعرضنا أفلاما مستقلة وأفلام تعالج قضايا البيئة والتغيرات المناخية.

-         من أين جاءت فكرة مشروعات الجمهور؟

-    بدأ الأمر مع الصم، فى 2017 فقد طلبوا تعلم صناعة الأفلام ولم تكن توجد أى مؤسسة مصرية أو عربية تعمل فى هذا المجال، فأسست Deaf Film Lab لتعليم الصم وتدريبهم على صناعة الأفلام من الألف إلى الياء، ومن خلال أربع ورش لتدريب اليافعين والشباب أنتجنا ثلاثة أفلام هى اللعبة، صدفة، مش فاهم ثم توالت الورش وتوسعنا إلى إنتاج أفلام الرسوم المتحركة عن الأسكندرية والمشكلات البيئية والتغير المناخى والتلوث.

-         هل أدى ذلك إلى قفزة نوعية؟

-    ربما، ففى 2017 أيضا بدأت فى تأسيس ملتقى الفيلم الأمريكى ومستمرون إلى اليوم ونجهز للنسخة الخامسة منه، كما أسست مركز C للترجمة السينمائية واستعنت بمترجميين محترفين، لكن الترجمة لا تقتصر على اللغات الأجنبية المنطوقة وحسب، بل أيضا نترجم الأفلام إلى لغة الإشارة، وذلك للمرة الأولى فى المطقة العربية والشرق الأوسط.

-         بالتأكيد هناك صعوبات؛ كيف تجاوزتها؟ 

-    أصعب مرحلة تلك التى توقف فيها العالم عن الحركة بسبب كوفيد 19 ، وكنا على مبعدة ثلاثة أيام فقط من بداية عرض النسخة الثانية من ملتقى الفيلم الأمريكى، بالطبع كانت الأفلام والترجمة والأماكن قد أعدت، لكن صدر قرار بمنع الأنشطة والتجمعات العامة، وفى اجتماع عالمى One Line مع عارضين وسينمائيين من حول العالم، كان التشاؤم يلفنا لكننى قلت " الإنسانية ستنتصر" وقررت إنشاء منصة إلكترونية وكان إطلاقها متزامنا إلى حد ما مع إطلاق المنصات التجارية لعرض الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية عبر الإنترنت، وقررت مع فريق سينما فى كل مكان إنشاء منصة شوف فيلم لعرض الأفلام المستقلة، وبدأنا كالعادة بدون تمويل، وأخذنا فى مراسلة المنتجين والموزعين فى مصر والعالم، لنتمكن من تقديم عروض جديدة على المنصة كل 15  يوم وخلال عام ونصف عرضنا 80  فيلما من مصر والدول العربية إضافة إلى أفلام من ألمانيا، بولندا، فرنسا، إيرلندا حتى بداية عودة الحياة الطبيعية مرة أخرى فى أواخر عام 2021، وبعد إنتهاء الحظر تعاونا مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة UN Women وقدمنا 18عرضا لفيلم بين بحرين فى كل أرجاء مصر عن قضايا المرأة أشهرها، كذلك نفذنا النسخة الثانية من مبادرة ملتقى الفيلم الأمريكى وعرضنا أفلاما روائية وتسجيلية وتجريبية كلها أفلام مستقلة وفقا لقواعد تأسيس المبادرة، وقد بدأنا فى ذلك الوقت أيضا خطوة بخطوة العودة لتنفيذ العروض والمشروعات، فأسسنا فى   2022 أول منصة فى مصر والمنطقة لترجمة الأفلام للصم، وبدأنا فى شراء حقوق الأفلام لتخصيص منصة مجانية هى منصة سينما الصم، أيضا نعرض أفلاما من كل الثقافات ولا نتوقف على السينما المصرية والعربية والأمريكية وحسب.

-         فى صدرك حصان طروادة؛ فما الذى تخبأه؟

-    "يبتسم" قائلا: هدفى التوسع فى بناء جمهور للسينما، وهذا يحتاج إلى جدول زمنى والكثير من العمل والتنقل والزيارات والشركاء الفنيين، مع ملاحظة أن أغلب ما قمنا به يتم بالتمويل الذاتى دون أى دعم من جهة أو من أشخاص بداية من سينما فى كل مكان، لذلك ننطلق لتأسيس مراكز سينمائية فى الأسكندرية وفى عدد آخر من المدن بينها محافظات الصعيد، إضافة إلى إنشاء مساحات مجهزة من الألف إلى الياء لتدريب الشباب على صناعة الأفلام، وأول مركز Cinephile "سينيفيل" وهو مصطلح فرنسى عالمى يعنى عاشق السينما، وهى مبادرة تعرض أفلاما من كل دول العالم، أيضا ننشئ مقرا فى القاهرة يضم مركزا للترجمة السينيمائية والترجمة للغة الإشارة ووحدات مونتاج ومعامل تصحيح الألوان.

-         لديك تنقلات مكوكية، كيف استفدت منها؟

-    نعم، عدد الرحلات داخل مصر غير محدود، ذهبت إلى أبعد واصعب الأماكن، من قرى الأسكندرية إلى الواحات، ومحافظات الدلتا " اتفرجت على مصر" وعرفت أن بلادى كبيرة بها  تنوع لا محدود، والمسافات بين مدنها لا يمكن التعبير عنها بالزمن أو بالقول فمثلا بين الواحتين الداخلة والخارجة مسافة 250  كيلومتر، ويمكننى أن أؤكد أن كل المصريين فى أى مكان يتميزون بالطيبة والسماحة، ويظهر ذلك فى مبادرات الناس للدعاية للمشروع وحشد الجمهور وأيضا من حيث كرم الضيافة حتى مع البسطاء الذين يجودون بالموجود ولو قطعة من الجبن القديم.

-         هل هناك مردود ثقافى يمكنك قياس أثره؟

-    هناك شاهد مهم على ذلك، هو عودة الجمهور نفسه من عام لعام، والقدرة على الحشد، وردود الأفعال، فمثلا كثير منا يذهب إلى السينمات فى الأعياد، لكن ذلك لا يتوفر للصم، وفى أحد أعياد الأضحى عرضنا فيلما لهم، فقال لى واحد من الجمهور:" نشعر أننا كالناس العاديون لأننا لأول مرة نشاهد فيلما فى العيد" أيضا فى أحدى قرى أبيس عرضنا فيلما تسجيليا صور فى نفس القرية قبل 70 عاما، حيث رأى الفلاحون أجدادهم ونفس الأماكن التى يعيشون بها ولاحظوا مدى التغيير والتغير الذى حدث فى بيئتهم، فقال أحد الشباب: "إذن السينما ليست حرام، والفن ليس حراما"، وهى مواقف ملهمة وداعمة لاستكمال المسيرة، أيضا تحول الصم من مجرد متفرجين إلى صانعى أفلام ومدربين سينمائيين ومنظمين للفعاليات والحشود، أضف إلى ذلك قدرة جمهور القرى البسيطة والمنسية على تنظيم الجماهير والدعوة لمشاهدة الأفلام، لأننا نعرض على أرضهم ونعتمد على الدعاية الشخصية فى جذب اهتمام أهالى القرية وجيرانها من قرى أخرى.

-         فى تجربتك، كيف هو الفارق بين المبدع العربى والأجنبى؟

-    المبدع العربى مظلوم من خلال الضغط الذى يمارسه عليه الصناع والممولين، حتى أن مشروعا واحدا قد يستغرق عشر سنوات مثلا بسبب نقص الإمكانيات، وعندما يتم إنتاج الفيلم أخيرا، يصبح أمام لحظة تاريخية فاسدة بسبب تغير أفكار المجتمع وتغير اتجاهات الجمهور، يحدث ذلك اليوم على مستوى الأفلام التجارية وكذلك فى السينما العربية المستقلة، على العكس من فترات سابقة استثمر فيها نجوم كيوسف وهبى وأنور وجدى ومعاصريهم والنجوم اللاحقين لهم كفريد شوقى وماجدة الصباحى وغيرهم أموالهم فى السينما وليس فى المطاعم والكافيهات، الفنان الحقيقى قد يغامر بأمواله، يسعى للقيمة أولا ثم يأتى الربح بعد ذلك أو لا يأتى، وهناك مخرجين كبار أثروا السينما بأفكار وأفلام وقضايا جماهيرية قيمة وأفكار مهمة وملهمة، منهم مثلا: محمد خان؛ داوود عبد السيد، خيرى بشارة وآخرون، الآن كثير من السينمائيين المميزين أصحاب اللغة السينمائية الجادة والمميزة والواضحة لا يجدون إلا "صناديق الدعم" مما يضيع أحلامهم على مدرا سنوات، فى الغرب التمويل موجود وولا محدود ويسيرون مع التجربة حتى اكتمالها.

-         ختاما، ماهى أمنياتك السينمائية؟

-    أتمنى أن تصل المشروعات التى ننتجها إلى كل مكان فى مصر، وأن نكتشف مشروعات وأفكار أخرى، خاصة بعد أن اصبح الجمهور مهلم ويوضح لنا الأماكن التى تحتاج إلى هذه العروض، الجمهور أصبح عينا لنا يمنحنا أفكارا لمبادرات وأنشطة سينمائية ويعيد تشكيل وبناء جمهورا جديدا، وكأن الناس تجرى استباينا عفويا للأمنيات والاحتياجات، قبل 15 عام لم أكن أتخيل أن اصل بشغفى إلى هذه المرحلة وأن أحب شئ انطباعى كنت أجهل كل ما يخصه، اليوم أحب التجربة لذلك عملت على دراسة الإدارة والتنمية الثقافية  وإدارة الفنون، بدأت وسأستمر لأن شعفى يقودنى وأنا أقود شغفى.