فى أيام التراث السكندرى بالجزويت موسم 2024 من سيد درويش لشالرز أزنافور فنانو المدينة يغنون للعالم

Caffeine Art News
فى أيام التراث السكندرى بالجزويت موسم 2024  من سيد درويش لشالرز أزنافور فنانو المدينة يغنون للعالم


تبدو الأسكندرية أحيانا كمدينة خيالية لم توجد أبدا على أرض الواقع، بل يبنيها محبوها فى وجدانهم، كجنة سقطت من السماء، يحفها الضياء، وتتصاعد من أرضها النغمات، وتطرح أشجارها الفن والإبداع، وكلما أعاد فنانوها إحياء تراثها أكدوا معنى ما، قد يكون: "الأسكندرية هى العالم فى أبهى تجلياته لذلك لم تكن يوما هنا"، تأكد الحلم فى ليلة من النغم والأغنيات المصرية والعالمية استضافها مسرح مركز الجيزويت الثقافى بالأسكندرية ضمن فعاليات "أيام التراث السكندرى" فى نسخته الخامسة عشر والذى يعده ويشرف عليه مركز دراسات الأسكندرية والبحر المتوسط التابع لوزارة التعليم والبحث العلمى الفرنسية والذى أسسه البروفسيور جون إييف أمبرييف فى عام 1991 بتصريح من وزارة السياحة والآثار المصرية.

من أين نبدأ؛ من يشارك؟


فى الدورة الماضية موسم 2023 شارك فنانان فى الفعالية، هما البيانيست كريم شعبان " جولا" والمطرب بسيم محمد بسيم، تخيلا معا الموسيقار سيد درويش وقد استخدم التطورات التكنولوجية والموسيقية فى تلحين وأداء أجمل أغانيه، وقدما ليلتهما على هذا الأساس، فى الإعتقاد الشعبى لدى "السميعة" أن كل ما يمت بصلة "لفنان الشعب" هو فن مقبول ومبجل، لايصيبه القدم ولا يمل منه الجمهور، ومع ذلك أراد جولا وبسيم تقديم شئ مختلف، أكثر شمولا ويعبر عن ثقافة المدينة كما يحب العالم أن يتخيلهاـ فبدأ معا رحلة البحث عن شركاء.  

من هو كريم جولا:

هو أحد الفاعلين فى المشهد الثقافى السكندرى، خاصة فى المجال الموسيقى، يلعب البيانو بطلاقة واحترافية، دعاه عماد مبروك وهو منسق ثقافى بمركز الجيزويت إلى المشاركة فى هذا الموسم، ففكر فى تكوين مجموعة متباينة من الفنانين السكندريين المشهورين بالجودة والتمكن، فجمع - مع صديق طفولته بسيم محمد- الفرقاء وصنعا بينهم ذلك التناغم، القائم على "نستولوجيا" المدينة. https://youtu.be/2lZJ6ltsen0

تكوين الفريق:

بسيم محمد موظف شاب فى أحد البنوك، لكنه يعرف نفسه بأنه مطرب وليس "بانكيير" بدأ الغناء فى سن العاشرة وانضم إلى عدد من الفرق الرسمية، ولا زال عضوا فى كورال مكتبة الأسكندرية، الذى كان قد تعرف من خلاله على فنانين وفنانات آخرين، يغنون الكلاسيكيات المصرية والأجنبية، قدم بسيم للفريق المطربتان ياسمين حسنى، وماريلينا روسغو، ودعى الفنان والملحن والعواد الشهير حسنى المعاون الذى لعب أربع أغنيات شرقية وغربية، كما دعى فنانة الإيقاع داليا إبراهيم، وإضاف جولا إلى المجموعة محمود جالاكسى على الماندولين لتقترب الأغانى اليونانية من معنى الكمال.

ماريلنا مطربة بسبعة لغات:

مارلينا وبسيم

لا يغرنك صوتها الهادئ وإطلالتها الناعمة، فهى وحش فى أدائها على المسرح، لكنها وحش جميل، يفترس حواسك من الكلمة الأولى، وتتمنى ألا تتوقف عن الغناء، تعرفها الأوساط الفرانكوفونية وأبناء الجاليات السكندرية كمطربة تغنى بسبعة لغات، فلتكن اليونانية والعربية جنبا إلى جنب هما "لغة أولى" بسبب أصولها بالطبع، تغنى أيضا بالإيطالية، الإسبانية، الألمانية، الفرنسية وبالقطع تجيد الغناء -الذى احترفته فى سن الخامسة عشرة- بالإنجليزية.

ياسمين زكى ونظرتها الفاحصة:


ياسمين زكى

تطل شخصيتها المدققة من خلف نظارتيها، لديها تلك الثقة التى تقتحمك بنعومة ويسر، لتخبرك دون كلمات أنها تجيد ما تفعل، أنها قادرة دائما على استكمال أدواتها تلعب الموسيقى وتؤلفها تغنى بعدة لغات وتكتب أغنياتها بنفسها، وهى إضافة لأى فريق، تقدم خدمات لا متوقعة لتسهل عمل مجموعتها، فوق سطح الفيلا التى تقيم فيها مع عائلتها، أنشأت Home Studio  لتتمكن من التدرب بمفردها على أداء الأغنيات الفرنسية والإنجليزية والعربية التى تحبها، إضافة إلى احترافها العزف على البيانو والأكورديون، الذى اختارته كآلة رئيسية تصاحب الفريق فى ليلة الغناء المرتقب، بوصفه يمثل ثقافة متوسطية بشكل عام وفرنسية بشكل خاص، شهد ذلك الأستوديو تدريبات ونقاشات وبروفات استمرت يومين كل اسبوع على مدار أكثر من شهر استعدادا للحفل.

      

ثلاثة فى الفريق:

Ta Paichia to pirea by Marilena Roussoglou حفل أيام التراث2024

حسنى المعاون أحد أشهر لاعبى العود فى مصر عموما والإسكندرية خصوصا، مطرب ومدرب موسيقى ومنشأ كورال للموسيقى العربية الأصيلة، يشارك فى أغلب الفعاليات الثقافية الرسمية وشبه الرسمية، يعرفه الجمهور ويحبه، وبمجرد سماع اسمه تضج القاعات بالتصفيق الحار.

داليا إبراهيم فى هذه الليلة كان ترتيب منصتها الإيقاعية فى أقصى يسار المسرح قبالة الجمهور، بمفردها؛ يواجهها على الجانب الأيمن منصات جولا على الكيبورد، حسنى المعاون على العود، ويقف أمامها على خط مستقيم محمود جالاكسى بمندولينه المعبر، وبرغم ذلك تجذبك جلستها المنفردة تلك، ويمنحك مظهرها الصبور إيحاءا بالثقة، بدأت تعلم العزف على العود قبل عشر سنوات فى مركز تنمية المواهب بدار أوبرا سيد درويش، وهناك أيضا تعلمت اللعب على الآلات الإيقاعية، تشارك فى فعاليات موسيقية متعددة ضمن المناسبات الرسمية فى الأوبرا ومركز الإبداع، وكذلك مع الفرق المستقلة.

محمود جالاكسى من أبرز لاعبى آلة الماندولين فى مصر، يجيد عزف الأغانى اليونانية وشارك فى البروفات من الجولة الأولى.

 

البحث والإكتشاف:

أغنية ميلينا ميركورى تغنيها مارلينا روسغو

وجد الفريق نفسه أمام عدة خيارات، أهمها أنهم يريدون تقديم تراث المدينة الغنائى، تلك التى أبدع فنانوها وروادها أغان وألحان وأشعار وروايات، وخرج منها عظماء فى كل المجالات أثروا الحياة المصرية والأوروبية، وأضافوا إلى التاريخ ما لم يضفه غيرهم، خاصة فىما يتعلق بعشق المدينة، وجمالها وروحها، وجميلاتها، حتى أن بعض الأغنيات تتغزل فى جمال مينائى  الأسكندرية ومناراتها وشوارعها وبحرها.

المثير أن رحلة البحث أثمرت عن اكتشاف مذهل، فى عام 1927  كتب شاعر يونانى مجهول الاسم من الإسماعيلية أغنية ولحنها لمحبوبته السكندرية، أصبحت أيقونة غنائية فى لغات عدة منها التركية والعربية والإنجليزية والفرنسية والأرمينية، هى أغنية Misirlou " والتى تعنى "الفتاة أو البنوتة المصرية" باليونانية، اقتبس اللحن الموسيقار محمد عبد الوهاب وقان بتوزيعه بإضافة المزيد من آلات الموسيقى الشرقية ووضعه على أغنية "أحب عيشة الحرية" أيضا استخدم اللحن المخرج الأمريكى خوان ترانتينو فى أغنية Black Eyed Peas  من فيلم Plup Fiction، وكان اللحن قد انتقل مع المهاجرين اليونانيين إلى الولايات المتحدة باعتباره من الموسيقى الشعبية، وقد نال شهرة واسعة فى عام 1962 عندما قام عازف الجيتار الأمريكي ديك ديلDick Dale  بتقديمها بأسلوب الروك الشرقي الممزوج بموسيقى السورف Surf Rock)  ، ومن بين البيديهيات الغنائية العالمية أغنية Alexandrie Alexandra للمطرب الفرنسى  Cloud Ftancoisالمولود فى الأسكندرية، والتى تستعرض حنينه وشوقه للإسكندرية؛ تجسد كلماتها حب كلاود فرانسوا للمدينة وسحرها وأجوائها، تعكس كلمات الأغنية إعجابه بالثقافة والحياة النابضة في مسقط رأسه، كما تتحدث عن المغامرات والذكريات الجميلة التي عاشها هناك؛ يتميز اللحن بإيقاعه الراقص وأجوائه الاحتفالية، لذلك تحظى الأغنية بشعبية كبيرة سواء في فرنسا أو في أماكن أخرى من العالم؛ برغم إصدارها في أواخر السبعينيات إلا أنها ما زالت تحقق نجاحا كبيرا إلى اليوم، وأصبحت واحدة من أشهر أغانيه التي بقيت في الذاكرة بعد وفاته المفاجئة.

ومن المدهش أن ميلينا ميركورى المناضلة اليسارية اليوناينة والتى أصبحت وزيرة الثقافة فى بلادها، ولدت فى الأسكندرية وغنت لها واحدة من أشهر الأغنيات قاطبة "To Vals tou Sifi" تُترجم أحيانًا إلى "The Waltz of Sifi"، وتعكس جمال البحر والمناطق الساحلية في المدينة، وتحمل كلماتها العديد من الصور الشعرية التي تتناول البحر الدافئ التى وصفته بأنه يشبه الألماس فى بريقه، وهو أحد الرموز المميزة للثغر المصرى الشهير، كما تصف الأجواء الخاصة التي تتميز بالهدوء والنقاء، وتعكس كلمات الأغنية التصوير الشعري الذي يجسد سحر المدينة وجمالها الفريد؛ تعتبر  "To Vals tou Sifi" من أبرز الأغاني التي تُعبّر عن الروح "الإسكندرانية"، وتحمل الكثير من الذكريات الثقافية والعاطفية عن المدينة، تلك الأغنية التى غٌنت بأكثر من لغة مع اختلاف الكلمات وثبات اللحن ومنها أغنية "إسكندرية" للفنان السكندرى المصرى الشهير سمير صبرى.

وبرغم أن ميلينا نشأت في اليونان، فإن جذورها في السكندرية كانت جزءًا من حياتها الأولى، وكان لها دائمًا تأثير كبير على مسيرتها الفنية والشخصية، ومن خلال أعمالها، بما في ذلك فيلم "Never on Sunday"أو "Ta Paichnidia tou Pirea"، أصبحت ميركوري واحدة من أشهر الشخصيات اليونانية على الساحة الدولية. وعلى الرغم من أنها قضت معظم حياتها في اليونان وفرنسا، فإن ارتباطها بالإسكندرية كان دائمًا جزءًا من هويتها الثقافية. 

 

تنوع الأغنيات لغة وموسيقى وتاريخا:

يصر كل أعضاء الفريق أن ما جمعهم حقا هو حبهم لمدينتهم، تلك التى يعشقونها بلا حدود، ولذلك فقد قرروا أن يقدموا أغانى متنوعة تعبر عن روح المدينة وكوزموبولوتينيتها العريقة، فانطلقت ياسمين زكى تغنى لشالز أزنافور أغنيته الشهيرة La Boheme التى تتحدث عن الحنين والذكريات وتغير شكل الأماكن والبيوت، لأنها تشعر بالحنين إلى ماضى المدينة الجميلن كما غنت "على بالى" ، وغنت مارلينا روسغو  To Vals tou Sifi لميلينا ميركورى و Misirlou وصدح بسيم محمد بأغنيات لسيد درويش وعلى الحجار وسمير صبرى كلها تتعلق بالأسكندرية، كما غنى المطربين الثلاثة أغانى جماعية بمصاحبة العازفين كريم جولا على الكيبورد، حسنى المعاون على العود، محمود جالاكسى ماندولين، ومروة إبراهيم إيقاع.