ساحر الألوان لوحات محمد القبانى تجسد العوالم السكندرية النابضة بالمحبة

جرجس بخيت - مصر
ساحر الألوان لوحات محمد القبانى تجسد العوالم السكندرية النابضة بالمحبة


ياله من عالم يجسده محمد محمد القباني الفنان السكندري الراحل الذي تتسلل لوحاته إلى القلوب، فيعشقون صدقه ويحبون أعماله ، التي نسجها من الروح الحالمة والحساسية المفرطة التي برزت وتألقت في مجمل أعماله، لوحات للبيئة السكندرية تضج بالحياة والدلالات وتترجم الموسيقى الداخلية لمشاعره، عشق متراكم وحب عميق لبلده ولمدينته الساحرة؛ فاستكان في أحضانها الهادئة الحالمة التي عشقها وهام بها، وكرس تجربته الفنية لها، بمعالمها وكباريها وحاراتها وأزقتها وبحورها وترعتها الشهيرة، يستعرض أحلامه بكل تفاصيلها لنتذوق معه طعم الحياة، كان شقيقه الأكبر الشاعر الكبير عبد العليم القباني يخط بقلمه أجمل القصائد الشعرية، أما هو فكان العاشق لمدينته، وعشقه يطل من كل زاوية وركن وشكل ولون في لوحاته التي كانت أشبه بقصائد لونية كتبها الفنان بالخطوط والألوان ولهفة الخوف على ما تبقى منها قبل أن تطالها معاول الهدم والتغيير.

المكان في لوحات الفنان محمد القباني له تأثيره وسحره وقدسيته وخصوصيته، أنه واقع ثري حافل بعناصر ومفردات مستمدة من البيئة الساحلية المحيطة التي عاش فيها الفنان، شكلها بسهولة ويسر دون أدنى تعقيد بخطوط ومساحات لونية في فضاءات مفتوحة تهيمن على معمار اللوحة، بتدرجات شاعرية بهية جذابة، تأتي واقعيتها من ذهنية الفنان وكأنها سيمفونيات مبهجة، استمدها من الواقع الجميل الذي هام به لمدينته الساحرة، بمعالمها العريقة الجميلة، وشواطئها الممتدة التي لا تخلو من الصيادين وشباكهم، وقلعتها الحصينة العريقة التي تتحدى الزمن والظروف، وشوارعها وحواريها الشعبية الضيقة، ومراكبها التي تمخر عباب الماء في بحرها الممتد بمجموعات من الألوان الزرقاء المختلفة، ومعدياتها التي تنقل العابرين من ضفة إلى أخرى تنساب في دعة وأمان على سطح ترعة المحمودية التي سحقتها عمليات التغيير أخيرًا، فأصبحت ذكرى غائبة، فكأنما خلدتها أعماله في ذاكرة التاريخ، وأشجارها ونخيلها، وكباريها، وعماراتها الحديثة والقديمة التي زاحمت الحديثة ولكنها انصهرت معها وكأننا نسمعها تحكي أحداث الزمن الجميل، وناسها البسطاء الذين يعيشون فيها نساء ورجال؛ صيادون وعمال وقرويون، كلها مفردات وعناصر محببة من البيئة تترابط وتتكامل وتنصهر مع بعضها البعض، لها دلالاته التشكيلية، يدق بها على أوتار القلوب بلمساته الناعمة الرقيقة.

مساحات رحبة للسماء وشمس تهيمن على المشهد يغرقها بشفافيته الفضية فتبدو محددة ومرئية ، بحور صافية تتناثر على صفحاتها المراكب الشراعية القريبة والبعيدة ، حتى إن جمال مدينته الأخاذ وألوانها المضيئة والمتداخلة وألوانها الرومانسية الضبابية بظلالها المعتمة ترجمها بالألوان المبهجة موحيًا بالأبعاد باستعراض تتابع الألوان ومشتقاتها ، فكل لوحة من لوحاته تقوم مقام سيمفونية لونية جميلة متناغمة ومتوافقة بصريًا تبهج العين وتحتوي المشاعر ويتردد صداها في النفس والوجدان .
المباني القديمة التي تتناسب مع الأماكن الشعبية العريقة وما يمثله هذا النسيج المعماري من قيم جمالية وإنسانية وبيئية وحضارية رفيعة ، والحركة الدؤوبة في كل لوحة تعبر عن صيادين بسطاء بشباكهم وعمال تصليح المراكب الذين يكدون ليوفروا لقمة العيش ، أنها لوحات مزجت بألوان البحر الصافية ورائحة اليود المختلطة بطحالب البحر التي نمت في قلب الصخور المحيطة بها ، يشع منها نبض الروح المصرية التي اختلطت بمشاعر الناس وعناصر بيئتهم الساحلية السكندرية الخلابة ببهجتها ورونقها مما تجعلنا نسمع الألوان ونرى الأصوات وكأننا جزء من هذه اللوحات ، بل أننا نجد أنفسنا داخل لوحاته نحس بالروح السكندرية التي تتناغم فيها مع كل عناصرها من المباني التراثية حيث بنائها الخاص المتفاعل مع البيئة ، مبان عتيقة تشم فيها رائحة الزمن الذي يتردد صداه مع البيئة المحيطة بها كأننا نراه ونسمعه ونحس به، بل ونلمسه بقلوبنا قبل عيوننا وكأننا نعيش فيه، حيث نعرف الساكنين في هذه المنازل من البسطاء وهم يعيشون سوياُ متقاربين يواجهون الحياة معاً . لوحت الفنان السكندري محمد القباني لقطات حية فيها من البساطة والحيوية كأننا نراها ونسمعها ونحس بها ، بل ونلمسها بقلوبنا قبل عيوننا وكأننا نعيش فيها.