الجسد حقيقتنا التى أتلفناها

الجسد حقيقتنا التى أتلفناها












تامر صلاح الدين


ما الفارق بين لاعب الأكروبات وبين موظف السجلات الحكومية؟ ما مكونات طعام فلاح من مصر مقابل "خلطات" وجبة واحدة على مائدة رجل غنى يعيش فى القاهرة؟ وهل يؤثر ذلك على نظرتنا للنساء وتعاملاتنا معهن؟!

كان أسلافنا- قبل سنوات طويلة- على هذه الأرض، نادرين إلى حد مذهل، فمثلًا لم يتجاوز أول تعداد رصده الأنثروبولوجيون لسكان غرب أوروبا ستة آلاف نسمة، فى كل تلك المساحة الشاسعة من اليابس، يعيشون جنبًا إلى جنب "النياندرتال" وأشباه البشر، وقتها- على الأرجح- لم يكن "طعامنا" متنوعًا بهذا القدر، ولم تكن "عضلاتنا ومفاصلنا"، بل كل حواسنا تعمل بهذه الأساليب، فغالبًا ما كانت الحاسة السادسة أوضح وأقوى، استشرافًا للمخاطر وتنبؤًا بها تمامًا مثل الطيور والفئران وأغلب الحيوانات المعاصرة، فالبشر "بأنواعهم" كانوا طرائد للمفترسات المختلفة، بمثل ما كانوا صيادين لها، وكأى مخلوق حى فى تلك الأزمنة احتاجوا لحواس حادة تنبئهم بالكوارث المتتالية التى ضربت العالم حينها، بآلية مفاجئة، لا دليل على وجود منبهات منها إلا قدرة الكائنات على "التوقع" الذى أصقلته التجارب، ولا بد أن البشر وعلى الدوام أصبحت أجسادهم مرنة وقوية كلاعبى الجمباز والأكروبات، مفتولين تمامًا كملاكمينا الآن، وأذكياء واسعى الحيلة بما يكفى لبقائهم واستمرارهم من خلالنا، وأيضًا عبر الأجيال القادمة. 

  1.  

ومع نمط الحياة هذا، لم يعرف أسلافنا البدانة، تمامًا كالرياضيين والفلاحين ومتبعى نظم الحمية الغذائية المعاصرين، ومن الطبيعى أن "الجسد"- لكلا الجنسين- لم يخرج عن أنموذجين: حرف V اللاتينى، حيث الأكتاف عريضة ومحيط الوسط "من دون الأرداف" يماثل- تقريبًا- عرض القدمين ثابتتين ومتوازيتين على الأرض، أما الأنموذج الآخر فهو الموزة "Bannana"، وفيها يبدو البنيان متماثل العرض فى الكتفين والوسط والقدمين، ولا يعنى هذا أن سائر أشكال الجسد الأخرى لم تكن موجودة، حيث اكتشف تمثال من العصر الحجرى متقن وفنى بدرجة كبيرة يمثل "تفاصيل" امرأة بدينة، وهو فى مجمله يشبه "التفاحة Appel"، ويبدو أن هذا "التكوين" جذب "الفنان" الأولى ليجسده كأنموذج فريد ربما يستهوى قائدا ما أو زعيم عشيرة منقرضة.

احتياج أسلوب الحياة- وقتها- إلى العضلات والذكاء معًا، "صنع" إنسانًا خاليًا من الدهون، يحتوى جسده على الكمية المناسبة من الماء والمعادن والأملاح الطبيعية، فهل كانت "الأنثى" متماثلة بدنيًا مع الرجل؟ أم "صنعت" بطابعها الخاص لتأدية وظائف معينة؟ الإجابة ليست بهذه السهولة، فأساس الوجود هو الحفاظ على "النوع" لسائر المخلوقات، وليس البشر فقط، لذا دعونا ننظر أولًا فى "التكاثر والتناسل".

باستثناءات قليلة إلى حد الإدهاش، "أعطى" كل جنس "طرفين" موجب وسالب، ذكر وأنثى، بلا فاعل وبلا مفعول به، فكلاهما فاعل ومفعول به في آنٍ، وهنا نتحدث عن طبيعة العلاقات "التكاثرية" وهى إلى حد ما مفهومة، ولا تحتاج شرحًا مطولًا، فيوجد لدى النباتات البرية والبحرية- وفى المخلوقات عامة- "وعاء حامل ومنتج" بمساعدة خارجية تمثل العنصر "التكاملى"، وبينما يستطيع الخبراء- دون غيرهم- التمييز بين "جنسين" من نفس الفصيلة- نباتية أو حيوانية- "دون فحص، فإننا كبشر، وابتداء من سن البلوغ- إذا استبعدنا نمط الملابس ونوع الألعاب وأدوات اللهو، باعتبارها من مكتسبات الحضارة- قد نحدد من النظرة الأولى- غالبًا- الصبى والصبية، فكيف ذلك فيما لا يمكننا إدراك طبيعة هذا الاختلاف فى كثير من الثدييات والطيور والهوام والحشرات؟

منذ زمن بعيد- ربما قبل الثورة العلمية- وفور أن عرفت البشرية وسائل التعبير، جسّد الفنانون و"علماء" العصور السحيقة نماذج التباين بين "نوعنا"، وبإحساس مرهف- يتحقق غالبًا بين فصائل محددة من الرئيسيات والوحوش كعائلات الغوريلا والقرود والأسود فى الغابات والمتنزهات الطبيعية المفتوحة- ارتبط الذكر البشرى بأنثاه، وبقطيعه، فى البداية كالكواسر وكقطعان الماشية والآيل، حيث السيادة للأقوى فيرث أشد الأبناء ساعدًا وأشجعهم والده فى نسائه ونفوذه، وسيطرته وأرضه، ومع تطور العقل والمشاعر، وانبثاق "الأدوار الاجتماعية" والعلاقات التبادلية أو "المصالح والمنافع" ومع تعدد وسائل الإنتاج، وتنوع مصادر الطعام وكثرتها، ثم مع التخصص الرعوى والزراعى، المرتبط أساسًا بنشأة "الأسرة"، صار التقارب العاطفى "نسرى" الطابع، حيث تعيش أغلب هذه الجوارح فى "أسرة" لا يجور فيها الأب على الأم أو يتخذ لنفسه زوجة غيرها، بعكس أغلب الطيور ومن بينها "الحمائم" التى لوحظ بينها ميل إلى التعدد أو "الخيانة" خاصة بين ذكورها.

أدى هذا التطور الطبيعى، مع "تنوع" الأطعمة، إلى نمط مختلف من "الأشغال" والمسئوليات، أثرت عامة على "شكل" الأجساد البشرية، وطبيعة الدور المنوط بها، لكنها على وجه الخصوص أثمرت تغييرات كبيرة فى "سمات" الأنثى، فتطور جسدها أكثر من الرجل إلى "هيئة" خارج نمط "V" و"الموزة".



وبسبب "الدور الاجتماعى" فى الريف المصرى ثم فى المدن، ونوعية الطعام و"الكسل" الذى سببه التقدم التكنولوجى، تشاهد بجلاء خمسة نماذج من الجسد الأنثوى، أشهرها بالطبع "الساعة الرملية" وهو نمط حضرى أكثر منه ريفيًا بسبب طرز الملابس فى الأساس، وفيه تتميز المرأة بكتفين ملحوظتى العرض، مع ظهر قد يحمل بعض "الأعكان"، يضبطه صدر بارز، وخصر ضيق ثم ردفين ممتلئين، يرتفعان على ساقين متباعدين نوعًا ما، بما يشبه "الميقات الزجاجى"، وهذا "التكوين" تميزت به نجمات كثيرات، عربيات وأجنبيات، أشهرهن الراحلة "ميمى شكيب".

المدهش انتشار الشكل التفاحى فى أرياف مصر بين السيدات الرئيسات فى الأسر الممتدة، والعائلات التى يكثر بها الأبناء الذكور خاصة، ويعزى ذلك لأن "الأم الكبيرة" تحظى- دون غيرها- بالراحة، فيما تقوم زوجات أبنائها بمهام الخدمة والرعاية والنهوض بالأعباء المنزلية، لتصبح "السيدة" الرئيسة بمثابة "معلمة" فى أفضل الأحوال أو تضطلع بمراقبة الأعمال المنزلية، وربما الزوجية أيضًا، وتقييمها ونقدها وتعديلها وضبط إيقاع البيت.

هذه المهمة التى يؤدى فيها تغير الدور من "عضلى جسدى" دائم الحركة عندما كانت "الأم راعية"، إلى "عقلى نقدى" "أمومى وجامع"، بعدما صارت "رئيس"، مع ما يستتبع ذلك من "راحة" وتغير "نمط" تناول الطعام، وليس نوع "الوجبات" وأهميتها، ومع "نضج شبابى" مبكر نسبيًا بسبب "سن الزواج" الصغيرة عادة فى العمق المصرى، تتزايد الدهون بسرعة فى الوجه- خاصة فى "الصدغين"- ثم فى الرقبة التى تبيت أسطوانية، وبالطبع فى الكتفين، البطن، الأرداف، والساق كاملة حتى وجه القدم، فتصبح تلك "السيدة" مستديرة كتفاحة ناضجة تمامًا تكاد أن تبلغ حد العطب سريعًا، رغم حداثة سنها مقارنة "بجدات" المدن.

وإذا كانت "الساعة الرملية" أكثر حضرية وابنة للمدينة أكثر من "التفاحة" الريفية بالأساس، فإن ثمة تمايزًا آخر واضحًا جدًا بين نساء ورجال الريف والحضر، هو بالنسبة للملاحظ الأريب اختلاف يقترب من نمط أشكال المخلوقات فى الطبيعة.  

ففى أرياف مصر- تلك التى أعرفها عن كثب- خصوصًا وجه بحرى، ودون اتباع نمط رياضى معين، أو حمية غذائية، يمكننا تشبيه أجساد النساء بوصف للحيوانات الأصيلة والطيور الجميلة فى المزرعة، فتلك "الشابة" التى تحظى بصورة "الموزة Bannana" تملك أيضًا بعض "التكورات" مع نمط بطىء نوعًا فى السير- كأغلبهن- يدفعك بسهولة لوصفها بـ"الأوزة".



أما من تتميز بجسد كمثرى الهيئة، بكتفيها الصغيرتين المستديرتين، ووسطها المحبوك فوق عجيزة ممتلئة وبارزة، تهبط بانسيابية فوق الساقين وحتى القدمين، فتشابه إلى حد كبير "البطة"، بتكوينها الذى يحاكى قارب الصيد فى النيل المصرى، وهو فى الحقيقة أكبر حجمًا من "الكياك" الكندى وإن تشابه "الفلكان" انسيابيًا، كما تتشابه المرأة "الكمثرية" والبطة.

بعض النساء الأخريات يحاكين "الفرس" الأصيل متانة فى البنيان، ورشاقة فى اللفتات، ومرونة فى الحركة، وقدرة على العمل الشاق، مع جمال الوجه والعينين، وبغض النظر عن الأنموذج الخارجى لأجسادهن، فإن طبيعة تكوين إحداهن تحيلك– إذا امتلكت إلى جانب الخيال، بعض الذاكرة الجمعية- إلى مخلوقات أخرى فى الطبيعة وفى الأساطير قد يكون بينها- وبوضوح- عروس البحر.

هل يمكننا وصف رجال الريف فى الوجه البحرى خاصة، وفى أغلب الصعيد عامة، مبتعدين قدر الإمكان عن "دلتا النهر" وجنوب الوادى فى "النوبة"، حيث بنية الجسد البشرى وحجم العضلات وطول القامة ورسوخ الدهن مختلفان إلى حد كبير عن أولئك ("الشماليين" نوعًا ما)؟

نعم، يمكننا وصفهم بكلمة واحدة غالبًا: رياضيون جدًا، دون أى تخصص أو دراية إلا بألعاب الريف العنيفة والتلقائية، كالرهانات على حمل "أجولة الغلال" لمسافات طويلة، أو كالعدو لإنجاز عمل ما دون جائزة خاصة، وبالطبع وكالكل هناك، صيد الأسماك من الترع وقنوات الرى.

أما فى المدينة، باستطلاع رأى سريع– وأعترف بأنه ليس قائمًا على أدوات البحث العلمى- فإن الشابات يفضلن الظهور على مثال "الموزة"، ليس لأن هذا النوع من "الفاكهة"- المحببة والأكثر مبيعًا فى العالم بين المنتجات الزراعية والغذائية- يطلقه الصبية على الفتيات الجميلات، دون أن يعرف أغلبهم أن "اللفظ" هو "مصطلح" لوصف شكل الجسد، بل لأنهن يفضلن "الرسم" الانسيابى الذى يمكنهن من ارتداء كل الملابس دون تفاصيل زائدة أو بروزات ملحوظة، وبالطبع لن يتوصلن إلى ذلك المظهر لا بالحمية الرياضية أو الغذائية، طالما كانت بنيتهن تحيلهن إلى أنموذج آخر. لكن هدفهن الأثير هو "النحافة" مع رشاقة القد.

وفى الحقيقة لا أحد يمكنه أن يخرج البشر من التعريف "المصطلحى" لشكل الجسد، حتى مع "الناس" فى إفريقيا، شرق آسيا، السكان الأصليين فى أمريكا الجنوبية، أستراليا، إلا فى حالات نادرة.

الآن، هل تنحصر العبرة فى "نمط" الجسد الإنسانى؟ وهل بقاؤنا مرتبط بذلك؟ وهل لملامح الوجه علاقة بالنوع؟

الإجابة ليست مباشرة، بل تمر عبر سؤال آخر: ماذا لو لم يتمايز الذكر عن الأنثى شكلًا مع احتفاظ كل منهما بوظيفته الطبيعية؟



الحقيقة، وكما هو واضح من الحفريات والمستحثات العتيقة التى يتم الكشف عنها تباعًا، فإن الاختلاف بين "المخلوقين" من النوع البشرى الواحد وجد منذ الأزل مع علامات البلوغ وكدليل عليها، بل هو تمايز مقصود ومعتنى به في "الصنعة" ذاتها، هذا "ذكر" وهذه "أنثى"، ولذلك أسباب دقيقة، تساءل عنها كثيرًا ومطولًا علماء "البشريات" دون أن يلتفتوا إلى دليل ساطع فى هذه المسألة المحيرة.

وذكر العلماء- فى دراسات مقارنة، عرضت على محطة تليفزيون "كوكب الحيوانات"- أن حجم "الثدى" لدى الرئيسيات لا يرتبط بوظيفة إدرار اللبن للأمهات المرضعات، ففى القرود– بأنواعها- التى نتشابه جينيًا معها بنسبة تقترب من المئة فى المئة، وجدوا أن حجم الأنثى الصغير مقارنة بالذكر، ليس له علاقة بوظيفة الإنجاب، على عكس الأفيال والأبقار ووحيد القرن وفرس النهر وغيرها، كما اكتشفوا أن صغر حجم ثديى الشمبانزى، الرباح، البابون، الغوريلا، مقارنة بحجم ثديى الأنثى البشرية، لا يؤثر فى عملية إدرار لبن الرضاعة، ورغم السلوك الجنسى المتشابه بين الإنسان والقرود، حيث تحظى بعض فصائل الأخيرة بفرص للاختيار وللخيانة والارتباط العاطفى، ويمارس الجنس لإشباع الرغبة أيضًا، لكن مظهر الإناث فى تلك الحالة لا يختلف كثيرًا عن أولى مراحل "البلوغ"، إلا فى حالة الإرضاع، فتبرز نهودها ببطء وبنذر يسير، ربما غير ملحوظ، وجدد العلماء تساؤلهم عن حجم ثدى وأرداف الأنثى البشرية، ووجدوا إجابات مختلفة لا تفى بالغرض الوظيفى، الذى أزعم أنه غير ما قالوا به، فبالنسبة للثديين أرجع الباحثون حجمهما الذى "بلا طائل"، لكونهما يعملان كوسادة لرأس الرضيع، أما الدهون الزائدة فى الإليتين فقد "رجحوا" أنها ضرورة طبيعية ليتحمل "حوضها" ووركاها ضغط الحمل والحركة المثقلة بالجنين، وهنا نسأل: ألا ينام رضيع الغوريلا على ثدى أمه وعلى كتفيها ممسكًا بعنقها أحيانًا أو ملتصقًا بقفصها الصدرى دون أن "ينبت" لها أو له "مناطق دُهن" تخفف ذلك الضغط؟ وقد تكون الإجابة أن جسد القرود مرن بالأساس ومصمم لتلقى صدمات القفز بين فروع الأشجار أو السقوط من علٍ، وليس به حاجة لمناطق حماية خاصة، لكن ذلك يحيلنا إلى طبيعة الفعل الجنسى لدى الحيوانات عامة، مقارنة به لدى البشر.

دعونا نلتفت إلى هذه الحقيقة، فإنسان المدن المعاصر، خاصة الفتيان والشباب من الذكور، يعمد أغلبهم إلى "بناء" جسده الخاص عبر ممارسة الألعاب البدنية أو الانضمام لجماعة رياضية أو احتراف "لعبة" ما، وهو يعرف أنه سيحصل على قوام ممشوق، تبرز به عضلات الصدر والذراعين ويمكنه من إحصاء عدد "المربعات القاسية" فوق بطنه النحيف، أما الفتيات، رياضيات أو غير رياضيات، فحريصات على "نحت" الدهون فى مناطق "الاكتناز" لديهن "الصدغين، الثديين، الردفين، البطن، وربلتى القدم"! هو يبنى "للإبراز" وهى تنتقص بهدف "الإنحاف"، ينمى مظهر الفارس والمقاتل القوى، وهى ترسم شكلًا للأنثى الرشيقة الواهية، لكن مع تعاقب العصور وتغير أنماط الجمال يظل الرجل بانيًا على الدوام، حريصًا– خاصة فى شبابه- على المظهر الرياضى حتى إن لم يحيا فى المدينة أو ينل قسطًا كافيًا من التعليم، ودائمًا ما تغير "الأنثى" مظهرها بحسب "مزاج" عصرها، فالامتلاء ووجود "الأعكان" أو كتل الشحم واللحم فى الظهر وعلى الأجناب، كانت من علامات الجمال والثروة لدى سكان بعض المناطق وفى عصور تاريخية مختلفة، كما أن المرأة السمينة هى دائمًا "عروس" مناسبة فى بعض الثقافات والبلدان كموريتانيا مثلًا، التى "تحبس" فيها الفتاة بدءًا من سن التاسعة ليتم تغذيتها بطعام خاص لتصبح "ممتلئة" القوام، ثم يتم تزويجها سريعًا.

إذن يختلف البشر رغم تمايز طبائعهم وثقافاتهم، واقتراب سلوكهم الجنسى من "الرئيسيات"، ويستجيبون "للغرائز الأساسية" بطرقهم الحصرية والمغلقة عليهم وحدهم، فمثلًا وبينما توجد الطرائد فى الغابة على مدار الساعة فإن اقتناص الوحوش "طعامها" منوط بشعورها بالجوع، أو دخول الفرائس إلى مناطق نفوذها خطأ، لكن الإنسان– المعاصر على وجه الخصوص- يعمد إلى تخزين طعام يكفيه لفترة طويلة، ويستوى الحضرى، والبدوى، أو الريفى، الأوروبى من الشمال، أو الهندى من أقصى شرقى آسيا، حتى إن "المدنى" غالبًا ما يذهب لتناول أو تجربة طعام شعر من رائحته أو من طريقة عرضه فى المحال والمطاعم باشتهائه، وإن لم يكن جائعًا، وبينما تتناول الحيوانات طعامها- ومن بينها العاشبات- إذا جاعت، فإنها تمارس "الفعل الجنسى" لهدف محدد وفى وقت معين من السنة بعدما يكون بلوغ الأنثى ثابتًا، وهرموناتها مكتملة، وأجهزتها فى أوج جاهزيتها، وبعدما تنهى الكبيرات منها فطام صغارها من الموسم السابق، الأسد كالقط، الغزال كالثعبان، لا فرق بينًا فى هذه المسألة بل تماثل بيولوجى واضح الدلالة مفهوم الهدف.



وإذا كنا نتحدث عن "الشكل" أو المظهر الخارجي، وذلك الاختلاف "الجلى" بين "الرجل" الناضج والأنثى البالغة لدى البشر وبعض الحيوانات، حيث يميز ذكر الغوريلا وكثير من الثدييات والرئيسيات، الحجم الكبير مع تحلّيه بسمات جمالية لافتة، كلبدة الأسد أو قرون الوعل، مع انحصار الجنس فى الفصيلة، حيث لا يمكن تزاوج الفهد من النمر، أو الجاجوار مع الوشق، فإنه يمكن لامرأة من الدول الإسكندنافية، طويلة القامة، عريضة المنكبين، قوية الذراعين أن تتزاوج برجل غامق البشرة قصير القامة نحيف العود من جنوب غربى الجزيرة العربية، وبينما الأنثى فى الطبيعة تبحث عن الذكر ذى الصفات الأقوى، فإنه يمارس الفعل بهدف استمرار النوع أو الفصيلة، وقد يترك أنثاه لمصيرها بعد ذلك، بل ربما يقاتل نسله فيما بعد إذا التقاهم فى "مهمة" صيد، لكن الرجل والمرأة البشريين يبحثان عن علاقة مستقرة توفر لهما "شراكة طويلة" تمنحهما إمتاعًا حسيًا مشبعًا لحاجاتهما الأساسية، ومستجيبًا لأحلامهما فى ضرورة التناسل، فالحيوان يحفظ النوع فى مواسم محددة غالبًا، والإنسان لديه أسباب كثيرة للالتقاء بالأنثى والسكون إليها والعكس.

لكن ما الذى يدفع "المخلوق البشرى" إلى إتيان "فعل الجنس" مرة بعد أخرى ودون ملل، غير مرتبط بسن معينة، أو مواسم محددة؟ الإجابة تبدو سهلة: إنها الهرمونات، وإشباع غريزة أساسية.

إذن ما الذى يحرك هذه الغريزة؟

فى قطعان الماشية وعندما تصل "الإناث" إلى مرحلة الشياع، تعلن ذلك عبر رائحة معينة، فيختبرها "الذكر" بالشم ثم بتحليل بولها، وهذا سر توجيه الكباش وذكور الغزلان والأيائل أفواههم تجاه الريح، ليتأكد من جاهزية أنثاه فيعتليها متممًا فعل "التناسل".   

وفى الطبيعة وبين حيوانات المزرعة أيضًا فإن الذكور جاهزة على الدوام لتأدية دورها فى الحفاظ على النوع، وبين الأبقار والأحصنة والحمر، بمجرد أن تصل الأنثى لمرحلة البلوغ ثم الشياع تعلن ذلك "بالتوتر" وإفراز الهرمون و"طلب" الجماع عبر النداء بالصوت وبنشر الرائحة، فيبحث الذكر عن صاحبته ويلبى رغبتها بغير تلكؤ، وهذا نوع من "التعبير الجبرى" عن الحاجة إلى التناسل.

المسألة مختلفة بين البشر، "فاللقاء" مستمر قبل وأثناء وبعد الحمل، فهو فعل اعتيادى يرتبط بـ"الرغبة" التى "قد" لا تكون مشتركة على الدوام، لكنها تشاركية، ومتعادلة، ومتغيرة بتغير نوع الطعام، جهد العمل، الإرهاق الذهنى، الحالة النفسية لكل طرف، العمر، والأهم مدى التقبل للفعل فى لحظة مواتية.  

ونتوقف هنا أمام الوجه والجسد البشريين.. طبيعى بالنسبة للمؤمنين بالديانات الإبراهيمية فى منطقتنا وفى غيرها، ذلك الوعى بأن المرأة خلقت من ضلع الرجل، "آدم" البداية ومثناه "حواء"، لذلك قد يتشابه الوجهان دون تمايز كبير بينهما، بل أحيانًا بلا تمايز إطلاقًا، فهل تعرفون: "سلمى حايك، هيفاء وهبى، نانسى عجرم، وجيسكا بيل؟".

جميعهن نجمات مشهورات بالطبع، حسنًا جدًا.. انظر إلى وجه سلمى، الطبيعى بلا تدخلات عمليات التجميل، ألا تذكرك تلك الملامح بـ"رجل" رأيته فى اليمن أو فى صعيد مصر أو فى تلك المناطق "الحارة" من كوكب الأرض، شخصيًا أراها تحمل وجه "صبى"، فماذا عن جسدها الذى ترعاه بالغذاء والرياضة؟ لا يمكنها إلا أن تكون أنثى، أليس كذلك؟ إنها "موزة" بامتياز.

إذن، ماذا عن "بيل"؟ ظهرت جيسكا "عارية وشبه عارية" فى عدد من مشاهد أفلامها، وهى– جسديًا- على مستوى "الرسم" محيرة، فكتفاها عريضان، خصرها ضيق، وحوضها نحيف نوعًا ما، لكنها "طبيعية" بلا شك، أنثى على الأنموذج "V"، أما وجهها فيحمل ملامح "رجل لاتينى" "ملون أو خليط" بين الأمريكيين الجنوبيين وسكان غرب أوروبا.

ومع ذلك، ورغم الأنوثة الصارخة لنجمتى العرب نانسى وهيفاء، هل يمكنك أن تلاحظ الفوارق، غير الطبيعية على الإطلاق، فنانسى أيضًا يمكنك أن تضعها بين نماذج الـ Bannana لكن مع تدخلات جعلت وجهها "أنثويًا" من الصعب أن تتخيله على "بنية" رجل، وكذلك "هيفاء" التى فعلت كل ما يمكن "لتتحول" إلى أنثى لا تقهر على نمط "الساعة الرملية" وبوجه لا تخطئه العين، لكن من منهما حافظت فعلًا على جسدها ومن أتلفته؟! الإجابة بطريقة أخرى: إذا سمحت لك الظروف بفرصة لمعانقة امرأة طبيعية، أنثوية وحقيقية بغير "سيليكون" فمن ستختار؟ وإذا واتتك "ساعة الحظ" لقضاء ليلة كاملة مع إحداهن، فأيهن ستجعل الدماء تجرى حارة فى عروقك؟ شخصيًا سأفاضل بين سلمى وجيسكا لأننى رجل أحب الحقيقة.

والحقيقة أن نفس "الأنثى" التى كانت تقوم من أجل "شرفها" الحروب القديمة، ما زالت هى نفسها تُشعل الصراع، لكنه تجارى هذه المرة، "مصنوع" ومفسد، يخضع للمزاج وللمصلحة الخاصة، ففى حقب زمنية غابرة  ميز "اليونانيون" المرأة على أساس تمتعها بالجسد الرياضى، القادر على القيام بالأعمال الشاقة، إضافة إلى الجمال المشع، بعدهم اهتم "الإغريق" بالوجه الحسن و"ثنيات" الجسد، أما العرب ففضلوا منذ الأزل- وغالبًا إلى الأبد- ذات العجيزة الضخمة، والجسد الممتلئ، وجعلوا "البهكنة"– صاحبة الردفين الكبيرين- هى المرأة المشتهاة، اليونانيون اختاروها "عاملة"، الإغريق فضلوها "جميلة" والعرب أرادوها على الدوام "سمينة"، وكل أنموذج ارتبط بدوره فى المجتمع.

اليوم تعمل "الميديا" على إتلاف الجسد، سعيًا وراء المادة، فجعلوا "الأنوثة" سلعة، لا تلبث أن تتغير مواصفاتها، فالنحيفة عليها أن "تسمن"، والممتلئة يجب أن تمارس الحمية، حتى تفاصيل الوجه تدخلوا فيها جراحيًا، فى الأنف والفم، العينين والشفتين، ومن قبل: الصدر والأرداف، ومن يعلم ما سيحدث لاحقًا، بالطبع الرجل لم يكن بعيدًا عن "التسليع" وبدرجة كبيرة جدًا، فى ملابسه، هذا رداء كلاسيكى، وذاك رياضى، بذلة للعمل، و"بدلة" للرحلات، الساعة والنظارة والسيارة، والفيلا، ومنطقة السكن، وهى كلها حقوق طبيعية أغلبها كمالى، وقليل منها ضرورى، لكن الأهم أن أجزاء حساسة من جسمه صارت موضعًا تجاريًا، كل ذلك يبتعد بنا عن طبيعتنا "القوية" ويصب فى صالح رأسمالية السوق، فإلى أى مدى تأثرنا بالتطور؟



الآن.. نطرق الحديد ساخنا.. إن رغباتنا- رجالًا ونساء- لها محدداتها الهرمونية، وإتيان "الفعل" نفسه له محاذيره، فتخيل نفسك– كإنسان سوى متحكم فى نزواته ومسيطر عليها- تعيش مع "شريك واحد" لسنوات طويلة، فما "المحفز" الذى يشجعك على أداء "الواجب الغريزى"؟

نحن بالطبع لسنا حيوانات غابة، مدفوعة تلقائيًا لممارسة مهمتها الأساسية، ومع ذلك تخيل، أن "شريكتك" وكل "الإناث من "فصيلتك" بلا تضاريس، مجرد لحم ودم يفرز الهرمونات، تمتلك عيونًا بلون واحد لا تمييز بينها، ولا تفاضل، مجرد "كائن" مثلك تمامًا يسمح لك فقط بإنشاء أسرة لتحافظ بها على نوعك، فأى "مثير" هذا الذى قد يدفعك إلى الاستجابة؟ أقول لك: إنه "الفيض" الطبيعى الموجود حولنا، والذى أنتج إلى جانب التنوع "البصرى" أعرافًا وتقاليد وقوانين تحاسب من يتجاوز، وتحذر من يفكر فى التجاوز، لكن تلك الطبيعة منحتنا الكثير لتتحرك رغباتنا تجاه شريكنا الذى اخترناه أو الذى فرضته الظروف علينا، منها تلك "المنشطات" التى خُزنت فى ذاكرتنا للأيام "الخوالى" ومشاعرنا التى تأججت فى أماكن مختلفة، حتى إن كانت قبلة ساخنة فى "بئر السلم"، أو لون ورائحة زهرة أو مكان، أو حضور حفل زفاف.. لكن ثمة محددات واضحة "أنثوية" جدًا تلك التى تحرك فينا الرغبة فى "الحياة"، هى تلك "الدهون" الحميمية والرجراجة التى ميزت بها الطبيعة الإناث عن الذكور، الصدر البارز والإليتين الكبيرتين نسبيًا "كمساعد ضرورى" للالتقاء بين الـX والـY "السهم والقوس" "الوعاء والغطاء"، لذلك فإن أنثى بلا تفاصيل هى امرأة مع إيقاف التنفيذ، ورجل ممتلئ بالشحوم يلهث بعد أول خطوتين هو ذكر "فاسد"، وإن كان "مصرفًا متحركًا"، أما حاسة النظر فهى "ضرورة" للتنشيط الطبيعى" بلا خجل أو تورية أو مواربة، فالبصر محفز عقلى للرغبة فى الحياة، وللإشباع بين "شريكين" تعاقدا على العيش طويلًا معًا، بلا زيف أو خيانة، حيث تصبح "البصبصة" المشروعة- فى إطارها الأخلاقى، دون ضرر ولا ضرار- بمثابة واجب مقدس لاستمرار "التلاقى"، لذلك فإن تلك الحضارات التى "تغطى" البشر "قسرًا" وتسعى لإجبار الإنسانية على اتباعها "بقسوة" "السيف والخنجر" تفسد "الخلق والخُلق" ولا تعرف التعدد الثقافى والتنوع البشرى، لمَ ترى سيدات "الهيمبا" فى تنزانيا يعشن عرايا كما ولدتهن أمهاتهن، دون خوف من اغتصاب أو خيانة أو "زيغ الأعين"؟ لأن ثقافة مجتمعهن وعقائدهن لم "تنحرف" مقتصرة على "محرمات" الجسد، بل انفتحت رغم "البدائية" على قواعد الضرورة الاجتماعية فى الزواج والتناسل والحكم، بالطبع توجد أمثلة كثيرة على "الحياة الطبيعية" فى إفريقيا، أمريكا اللاتينية، وبين القبائل "الأولية" فى أستراليا، أما الحياة "المعتدلة" فى بلداننا العربية فهى مهددة دومًا بالإفساد القيمى، حيث بات الجسد "الأنثوى"– خاصة- موضع اتهام دائم، يجب حجبه و"حجز" صاحبته بين جدران أربع، خوفًا من الانحراف "الجنسى" ولم يلتفت الأدعياء إلى أن ذلك ضد "حقيقة" التكوين البشرى التى يجب أن يختلط بالطبيعة "الأم" ليأخذ منها احتياجاته الأساسية اللازمة للحفاظ على الحيوية والتبصر، لذلك وفى ظروفنا الحاضرة نحن بحاجة "للتحرر الموضوعى" والعودة لسيادة منطق العقل والعدل والقانون، حيث الحرية محكومة بآليات مجتمعية تمنع التعدى على الخصوصيات، وتنهى "التفتيش فى العقول" وتحرض على بنية "بشرى" طبيعى بلا محاذير خانقة، تسجن النفس وتتلف الجسد، وببساطة ووضوح يجب أن نتعامل مع أنفسنا رجالًا ونساء بوعى أكبر باختلافنا وتكاملنا، وبأن الأنثى مخلوق "مستقل" مثل الذكر، لديها نفس الواجبات والمسؤوليات، تخضع لذات القانون الطبيعى أو الوضعى الذى يخضع له الرجل، بل– فى رأيى- أن الحياة اختصت النساء بما لم تختص به الرجال، لتميزها عنه، وعليه فإن مجتمعًا ينهك "أرواح" أبنائه بأعباء تبتعد عن قواعد العلم وعن قيمة العمل، وعن أهمية التشارك، هو مجتمع يغرق فى الجهالة، لذلك ابنِ عقلك بنفسك منفتحًا على كل الثقافات، اختر ما يناسبك، واجعل من نفسك طائرًا خفاقًا فى السماء يحط أينما شاء، فقد سبق وأتلفنا "بنيتنا" لحمًا ودمًا وعقلًا، وهذا أوان استعادة صحتنا كاملة، جسدًا وروحًا وأخلاقًا.