الإفتتاحية

رئيس التحرير
الإفتتاحية

             

الفن في جوهره البسيط، تطهير وإمتاع، ربما بدأ بالصورة وبالموسيقى قبل الكتابة والكلام، ولعل نشأة الرسم المبكرة على جدران الكهوف، تصويرًا لعمليات الصيد، سبقته محاولات كثيرة "للنقش" على الرمال سرعان ما اختفت، بالطبع كان محاولة لتجسيد بطولات الإنسان الأول.

 

لكن لماذا نغفل عن متعة نقل الوقائع للنساء وللأطفال في الأزمان البكر؟ وربما– بهذا المنطق- قادت هذه "الخربشات الحجرية" إلى إطلاق مسميات ما على مخلوقات تلك العصور، نشأ عنها مفردات لغوية وأدائية مكّنت- فيما بعد- ومع التطور، إلى الهواية والغواية، فظهر فنانون في مختلف المجالات.

ومنطقي أن "التصوير" قاد المتلقي إلى التصور عبر الخيال، ذلك الحصان الجامح الذي يعتليه الفنانون- بل ربما هو الذي يعتليهم- فيؤرق مضاجعهم ويدفعهم دفعًا لـ"تركيب" العالم وفق خيالهم، ليحققوا لنا المتعة ولأنفسهم التطهر.

 

وغالبًا ما يكتب الفنان لنفسه أولًا مدفوعًا بموهبته أو ظنًا في موهبته، البعض يسعى لخلود ذاته، وآخرون "ينتجون" مؤمنين برسالتهم نحو البشرية، محاولين قهر "القهر"، راغبين في صناعة "الأمل"، منهم من يعتقد أنه يرى ما لا يراه غيره، أو يكتشف مناطق مجهولة في عالمنا، تاريخنا، حاضرنا أو مستقبلنا، نفوسنا وعلاقاتنا، أصواتنا وأنفاسنا، ما يستحقه العالم من محبة، وما يستحقه بالأنانية فينقل تجربته إلينا.

 

والأكيد أن الإبداع البشري يتجاوز أحيانًا ما يمكن اعتباره "منطق الجمال"، متغللًا في "حمى القبح"، محاولًا نزع "الدنس" عن البشرية، أو بالقطع تأكيد "الانحطاط" جنبًا إلى جنب القيم العليا المتعارف عليها، وكذلك ما بينهما، وكل هذا "النشاط"– في الغالب- يبحث عمن يضعه في إطاره الإبداعي، كإنتاج يستحق أن يعترف به كـ"فن"، أو يكتشف ما به من فن، أو يضيء ما خفي به من فن.

 

وفي عالمنا العربي لم يحدث بالقطع أن تمكنت "مطبوعة ما" أن تجمع مبدعين باتساع بلداننا الفسيحة، الموهوبة، طلقة اللغة، واسعة المعنى، متنوعة المغنى، مليئة الدلال، غنية المتناقضات، كثيفة الألوان، متفردة الطبيعة، متماوجة الأحداث، ثرية الإنتاج، وإلى حد ما ظالمة للمبدعين، لذلك نحن هنا.

 

"كافيين"، التي نصدرها كمنشط عام في فروع الكشف والنقد، كرسالة يقع على عاتقها "التنوير" بالمعنى الواسع للفن، كطريق جديد ستنمو على جانبيه وفي طيفه ثمار أخرى، قد تهدم القديم وربما تعيد إليه حيويته، لكنها بالقطع تبشر بالجديد و"تطعمه"، قبلة تحتاجها هذه الحياة، للفن إذن، للإبداع والإمتاع، لتطهير الواقع من جراثيم نمت من بين يديه ومن حوله، لانفتاح العقل على العالم، وللتطهير من دنس المدعين.